وزينتها، وعمل الخير قسمان: العبادات، وإيصال المنفعة إلى الحيوان، ويدخل في هذا القسم الثاني البر وصلة الرحم والصدقة وبناء القناطر وتسوية الطرق والسعي في دفع الشرور وإجراء الأنهار. فهذه الأشياء إذا أتى بها الكافر لأجل الثناء في الدنيا، فإن بسببها تصل الخيرات والمنافع إلى المحتاجين، فكلها تكون من أعمال الخير، فلا جرم هذه الأعمال تكون طاعات سواء صدرت من الكافر أو المسلم. وأما العبادات: فهي إنما تكون طاعات بنيات مخصوصة، فإذا لم يؤت بتلك النية، وإنما أتى فاعلها بها على طلب زينة الدنيا، وتحصيل الرياء والسمعة فيها صار وجودها كعدمها فلا تكون من باب الطاعات.
وإذا عرفت هذا فنقول قوله: * (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها) * المراد منه الطاعات التي يصح صدورها من الكافر.
القول الثاني: وهو أن تجري الآية على ظاهرها في العموم، ونقول: إنه يندرج فيه المؤمن الذي يأتي بالطاعات على سبيل الرياء والسمعة، ويندرج فيه الكافر الذي هذا صفته، وهذا القول مشكل، لأن قوله: * (أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار) * لا يليق المؤمن إلا إذا قلنا المراد * (أولئك الذين ليس في الآخرة إلا النار) * بسبب هذه الأعمال الفاسدة والأفعال الباطلة المقرونة بالرياء، ثم القائلون بهذا القول ذكروا أخبارا كثيرة في هذا الباب. روي أن الرسول عليه السلام قال: " تعوذوا بالله من جب الحزن قيل وما جب الحزن؟ قال عليه الصلاة والسلام: " واد في جهنم يلقى فيه القراء المراؤون " وقال عليه الصلاة والسلام: " أشد الناس عذابا يوم القيامة من يرى الناس أن فيه خيرا ولا خير فيه " وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا كان يوم القيامة يدعى برجل جمع القرآن، فيقال له ما عملت فيه؟ فيقول يا رب قمت به آناء الليل والنهار فيقول الله تعالى كذبت بل أردت أن يقال: فلان قارئ، وقد قيل ذلك، ويؤت بصاحب المال فيقول الله له ألم أوسع عليك فماذا عملت فيما آتيتك فيقول: وصلت الرحم وتصدقت، فيقول الله تعالى كذبت بل أردت أن يقال فلان جواد، وقد قيل ذلك ويؤتى بمن قتل في سبيل الله فيقول قاتلت في الجهاد حتى قتلت فيقول الله تعالى كذبت بل أردت أن يقال فلان جريء وقد قيل ذلك " قال أبو هريرة رضي الله عنه ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبتي وقال يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق تسعر بهم النار يوم القيامة وروي أن أبا هريرة رضي الله عنه ذكر هذا الحديث عند معاوية قال الراوي فبكى حتى ظننا أنه هالك ثم أفاق وقال صدق الله ورسوله * (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها) *.