الأنواع وقولك القوم ارتفاعه من وجهين: أحدهما: أن يكون مبتدأ ويكون قولك ساء مثلا خبره والثاني: أنك لما قلت ساء مثلا. قيل لك: من هو؟ قلت القوم، فيكون رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف. وقرأ الجحدري: ساء مثل القوم.
البحث الثاني: ظاهر قوله: * (ساء مثلا) * يقتضي كون ذلك المثل موصوفا بالسوء، وذلك غير جائز، لأن هذا المثل ذكره الله تعالى، فكيف يكون موصوفا بالسوء، وأيضا فهو يفيد الزجر عن الكفر والدعوة إلى الإيمان، فكيف يكون موصوفا بالسوء، فوجب أن يكون الموصوف بالسوء ما أفاده المثل من تكذيبهم بآيات الله تعالى وإعراضهم عنها، حتى صاروا في التمثيل بذلك بمنزلة الكلب اللاهث.
أما قوله تعالى: * (وأنفسهم كانوا يظلمون) * فإما أن يكون معطوفا على قوله: * (كذبوا) * فيدخل حينئذ في حيز الصلة بمعنى الذين جمعوا بين التكذيب بآيات الله وظلم أنفسهم، وإما أن يكون كلاما منقطعا عن الصلة بمعنى وما ظلموا إلا أنفسهم بالتكذيب، وإما تقديم المفعول، فهو للاختصاص كأنه قيل وخصوا أنفسهم بالظلم وما تعدى أثر ذلك الظلم عنهم إلى غيرهم.
* (من يهد الله فهو المهتدى ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون) *.
في الآية مسألتان:
المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى لما وصف الضالين بالوصف المذكور وعرف حالهم بالمثل المذكور بين في هذه الآية أن الهداية من الله، وأن الضلال من الله تعالى، وعند هذه اضطربت المعتزلة، وذكروا في التأويل وجوها كثيرة: الأول: وهو الذي ذكره الجبائي وارتضاه القاضي أن المراد من يهده الله إلى الجنة والثواب في الآخرة، فهو المهتدي في الدنيا، السالك طريقة الرشد فيما كلف، فبين الله تعالى أنه لا يهدي إلى الثواب في الآخرة إلا من هذا وصفه، ومن يضلله عن طريق الجنة * (فأولئك هم الخاسرون) * والثاني: قال بعضهم إن في الآية حذفا، والتقدير: من يهده الله فقبل وتمسك بهداه فهو المهتدي، ومن يضلل بأن لم يقبل فهو الخاسر. الثالث: أن يكون المراد من يهده الله بمعنى أن من وصفه الله بكونه مهتديا فهو المهتدي، لأن ذلك كالمدح ومدح الله لا يحصل إلا في حق من كان موصوفا بذلك الوصف الممدوح، ومن يضلل أي ومن وصفه الله بكونه ضالا * (فأولئك هم الخاسرون) * والرابع: أن يكون المراد من يهده الله بالألطاف وزيادة الهدى