* (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا) * قال: فإن معنى الآية: الآن علم الله أن فيكم ضعفا وهذا يقتضي أن علمه بضعفهم ما حصل إلا في هذا الوقت. والمتكلمون أجابوا بأن معنى الآية: أنه تعالى قبل حدوث الشيء لا يعلمه حاصلا واقعا، بل يعلم منه أنه سيحدث، أما عند حدوثه ووقوعه فإن يعلمه حادثا واقعا، فقوله: * (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا) * معنا: أن الآن حصل العلم بوقوعه وحصوله، وقبل ذلك فقد كان الحاصل هو العلم بأنه سيقع أو سيحدث.
المسألة الثالثة: قرأ عاصم وحمزة * (علم أن فيكم ضعفا) * بفتح الضاد وفي الروم مثله، والباقون فيهما بالضم، وهما لغتان صحيحتان، الضعف والضعف كالمكث والمكث. وخالف حفص عاصما في هذا الحرف وقرأهما بالضم وقال: ما خالفت عاصما في شيء من القرآن إلا في هذا الحرف.
المسألة الرابعة: الذي استقر حكم التكليف عليه بمقتضى هذه الآية أن كل مسلم بالغ مكلف وقف بإزاء مشركين، عبدا كان أو حرا فالهزيمة عليه محرمة ما دام معه سلاح يقاتل به، فإن لم يبق معه سلاح فله أن ينهزم، وإن قاتله ثلاثة حلت له الهزيمة والصبر أحسن. روى الواحدي في " البسيط " أنه وقف جيش موتة وهم ثلاثة آلاف وأمراؤهم على التعاقب زيد بن حارثة ثم جعفر بن أبي طالب ثم عبد الله بن رواحة في مقابلة مائتي ألف من المشركين، مائة ألف من الروم ومائة ألف من المستعربة وهم لخم وجذام.
المسألة الخامسة: قوله: * (بإذن الله) * فيه بيان أنه لا تقع الغلبة إلا بإذن الله. والإذن ههنا هو الإرادة. وذلك يدل على قولنا في مسألة خلق الأفعال وإرادة الكائنات.
واعلم أنه تعالى ختم الآية بقوله: * (والله مع الصابرين) * والمراد ما ذكره في الآية الأولى من قوله: * (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) * (الأنفال: 65) فبين في آخر هذه الآية أن الله مع الصابرين والمقصود أن العشرين لو صبروا ووقفوا فإن نصرتي معهم وتوفيقي مقارن لهم، وذلك يدل على صحة مذهب أبي مسلم وهو أن ذلك الحكم ما صار منسوخا بل هو ثابت كما كان، فإن العشرين إن قدروا على مصابرة المائتين بقي ذلك الحكم، وإن لم يقدروا على مصابرتهم فالحكم المذكور ههنا زائل.
* (ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض الدنيا والله