المعين، ولا يجوز أن يكون الموضع المعين مرادا منه، فثبت أنه لا بد وأن يقال: إن ما أراد الله تعالى بخلقهم منهم محذوف، فكأنه قال: ولقد ذرأنا لكي يكفروا فيدخلوا جهنم، فصارت الآية على قولهم متروكة الظاهر، فيجب بناؤها على قوله: * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * لأن ظاهرها يصح دون حذف.
الوجه السابع: أنه إذا كان المراد أنه إذا ذرأهم لكي يكفروا فيصيروا إلى جهنم، عاد الأمر في تأويلهم إلى أن هذه اللام للعاقبة، لكنهم يجعلونها للعاقبة مع أنه لا استحقاق للنار، ونحن قد قلناها على عاقبة حاصلة مع استحقاق النار، فكان قولنا أولى، فثبت بهذه الوجوه أنه لا يمكن حمل هذه الآية على ظاهرها، فوجب المصير فيه إلى التأويل، وتقريره: أنه لما كانت عاقبة كثير من الجن والأنس، هي الدخول في نار جهنم، جائز ذكر هذه اللام بمعنى العاقبة، ولهذا نظائر كثيرة في القرآن والشعر: أما القرآن فقوله تعالى: * (وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست) * (الأنعام: 105) ومعلوم أنه تعالى ما صرفها ليقولوا ذلك، لكنهم لما قالوا ذلك، حسن ورود هذا اللفظ، وأيضا قال تعالى: * (ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك) * (يونس: 88) وأيضا قال تعالى: * (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) * (القصص: 8) وهم ما التقطوه لهذا الغرض إلا أنه لما كانت عاقبة أمرهم ذلك، حسن هذا اللفظ، وأما الشعر فأبيات قال:
وللموت تغدوا الوالدات سخالها * كما لخراب الدهر تبنى المساكن وقال: أموالنا لذوي الميراث نجمعها * ودورنا لخراب الدهر نبنيها وقال: له ملك ينادي كل يوم * لدوا للموت وابنو للخراب وقال: وأم سماك فلا تجزعي * فللموت ما تلد الوالدة هذا منتهى كلام القوم في الجواب.
واعلم أن المصير في التأويل إنما يحسن إذا ثبت بالدليل امتناع العقل حمل هذا اللفظ على ظاهره، وأما لما ثبت بالدليل أنه لا حق إلا ما دل عليه ظاهر اللفظ، كان المصير إلى التأويل في مثل هذا المقام عبثا. وأما الآيات التي تمسكوا بها في إثبات مذهب المعتزلة، فهي: معارضة بالبحار الزاخرة المملوءة من الآيات الدالة على مذهب أهل السنة، ومن جملتها ما قبل هذه الآية وهو قوله: * (من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون) * (الأعراف: 178) وهو صريح مذهبنا، وما بعد هذه الآية وهو قوله: * (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملى لهم إن كيدي متين) * (الأعراف: 182، 183) ولما كان ما قبل هذه الآية وما بعدها ليس، إلا ما يقوي قولنا ويشيد مذهبنا، كان كلام