* (ما بصاحبهم من جنة) * وهذا القول عندي بعيد جدا ويوجب تفكك نظم الآية.
والقول الثاني: إنه تمام الكلام الأول، والتقدير: ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من تحصيل الخير، ولاحترزت عن الشر حتى صرت بحيث لا يمسني سوء. ولما لم يكن الأمر كذلك ظهر أن علم الغيب غير حاصل عندي، ولما بين بما سبق أنه لا يقدر إلا على ما أقدر الله عليه، ولا يعلم إلا ما أعطاه الله العلم به قال: * (إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون) * والنذير مبالغة في الإنذار بالعقاب على فعل المعاصي وترك الواجبات، والبشير مبالغة في البشارة بالثواب على فعل الواجبات وترك المعاصي وقوله: * (لقوم يؤمنون) * فيه قولان: أحدهما: أنه نذير وبشير للمؤمنين والكافرين إلا أنه ذكر إحدى الطائفتين وترك ذكر الثانية لأن ذكر إحداهما، يفيد ذكر الأخرى كقوله: * (سرابيل تقيكم الحر) * (النحل: 81) والثاني: أنه عليه الصلاة والسلام وإن كان نذيرا وبشيرا للكل إلا أن المنتفع بتلك النذارة والبشارة هم المؤمنون. فلهذا السبب خصهم الله بالذكر، وقد بالغنا في تقرير هذا المعنى في تفسير قوله تعالى: * (هدى للمتقين) * (البقرة: 2).
* (هو الذى خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلمآ أثقلت دعوا الله ربهما لئن ءاتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين * فلمآ ءاتاهما صالحا جعلا له شركآء فيمآ ءاتاهما فتعالى الله عما يشركون) *.
اعلم أنه تعالى رجع في هذه الآية إلى تقرير أمر التوحيد وإبطال الشرك وفيه مسائل:
المسألة الأولى: المروي عن ابن عباس * (هو الذي خلقكم من نفس واحدة) * وهي نفس آدم * (وخلق منها زوجها) * أي حواء خلقها الله من ضلع آدم عليه السلام من غير أذى * (فلما تغشاها) * آدم * (حملت حملا خفيفا فلما أثقلت) * أي ثقل الولد في بطنها أتاها إبليس في صورة رجل وقال: ما هذا يا حواء