وجوه: الأول: أنه روحاني، فرأى الملائكة فخافهم. قيل: رأى جبريل يمشي بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام. وقيل: رأى ألفا من الملائكة مردفين. الثاني: أنه رأى أثر النصرة والظفر في حق النبي عليه الصلاة والسلام، فعلم أنه لو وقف لنزلت عليه بلية.
ثم قال: * (إني أخاف الله) * قال قتادة صدق في قوله: * (إني أرى ما لا ترون) * وكذب في قوله: * (إني أخاف الله) * وقيل لما رأى الملائكة ينزلون من السماء خاف أن يكون الوقت الذي أنظر إليه قد حضر فقال: ما قال إشفاقا على نفسه.
أما قوله: * (والله شديد العقاب) * فيجوز أن يكون من بقية كلام إبليس، ويجوز أن ينقطع كلامه عند قوله أخاف الله.
ثم قال تعالى بعده: * (والله شديد العقاب) *.
* (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: إنما لم تدخل الواو في قوله: * (إذ يقول) * ودخلت في قوله: * (وإذ زين لهم) * (الأنفال: 48) لأن قوله: * (وإذ زين) * عطف على هذا التزيين على حالهم وخروجهم بطرا ورئاء، وأما هنا وهو قوله: * (إذ يقول المنافقون) * فليس فيه عطف لهذا الكلام على ما قبله بل هو كلام مبتدأ منقطع عما قبله، وعامل الإعراب في * (إذ) * فيه وجهان: الأول: التقدير والله شديد العقاب إذ يقول المنافقون والثاني: اذكروا إذ يقول المنافقون.
المسألة الثانية: أما المنافقون فهم قوم من الأوس والخزرج، وأما الذين في قلوبهم مرض فهم قوم من قريش أسلموا وما قوي إسلامهم في قلوبهم ولم يهاجروا. ثم إن قريشا لما خرجوا لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أولئك نخرج مع قومنا فإن كان محمد في كثرة خرجنا إليه، وإن كان في قلة أقمنا في قومنا. قال محمد بن إسحاق: ثم قتل هؤلاء جميعا مع المشركين يوم بدر. وقوله: * (غر هؤلاء دينهم) * قال ابن عباس: معناه أنه خرج بثلثمائة وثلاثة عشر يقاتلون ألف رجل،