وعرى منها، وسواء قولك: انسلخ، وعرى، وتباعد، وهذا يقع على كل كافر لم يؤمن بالأدلة، وأقام على الكفر، ونظيره قوله تعالى: * (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها) * (النساء: 47) وقال في حق فرعون: * (ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى) * (طه: 56) وجائز أن يكون هذا الموصوف فرعون، فإنه تعالى أرسل إليه موسى وهارون، فأعرض وأبى، وكان عاديا ضالا متبعا للشيطان.
واعلم أن حاصل الفرق بين القولين: هو أن هذا الرجل في القول الأول، كان عالما بدين الله وتوحيده، ثم خرج منه، وعلى القول الثاني لما آتاه الله الدلائل والبينات امتنع من قبولها، والقول الأول أولى، لأن قوله انسلخ منها يدل على أنه كان فيها ثم خرج منها، وأيضا فقد ثبت بالأخبار أن هذه الآية إنما نزلت في إنسان كان عالما بدين الله تعالى، ثم خرج منه إلى الكفر والضلال.
أما قوله: * (فأتبعه الشيطان) * ففيه وجوه: الأول: أتبعه الشيطان كفار الإنس وغواتهم، أي الشيطان جعل كفار الإنس أتباعا له. والثاني: قال عبد الله بن مسلم * (فأتبعه الشيطان) * أي أدركه. يقال: أتبعت القوم. أي لحقتهم. قال أبو عبيدة: ويقال: أتبعت القوم، مثال: أفعلت إذا كانوا قد سبقوك فلحقتهم. ويقال: ما زلت أتبعهم حتى أتبعتهم. أي حتى أدركتهم. وقوله * (فكان من الغاوين) * أي أطاع الشيطان فكان من الظالمين. قال أهل المعاني: المقصود منه بيان أن من أوتي الهدى، فانسلخ منه إلى الضلال والهوى والعمى، ومال إلى الدنيا، حتى تلاعب به الشيطان كان منتهاه إلى البوار والردى، وخاب في الآخرة والأولى، فذكر الله قصته ليحذر الناس عن مثل حالته. وقوله: * (ولو شئنا لرفعناه بها) * قال أصحابنا معناه: ولو شئنا رفعناه للعمل بها، فكان يرفع بواسطة تلك الأعمال الصالحة منزلته، ولفظة * (لو) * تدل على انتفاء الشيء لانتفاء غيره، فهذا يدل على أنه تعالى قد لا يريد الإيمان، وقد يريد الكفر. وقال المعتزلة: لفظ الآية يحتمل وجوها أخرى سوى هذا الوجه. فالأول: قال الجبائي معناه: ولو شئنا لرفعناه بأعماله، بأن نكرمه، ونزيل التكليف عنه، قبل ذلك الكفر حتى نسلم له الرفعة، لكنا رفعناه بزيادة التكليف بمنزلة زائدة، فأبى أن يستمر على الإيمان. الثاني: لو شئنا لرفعناه، بأن نحول بينه وبين الكفر، قهرا وجبرا، إلا أن ذلك ينافي التكليف. فلا جرم تركناه مع اختياره.
والجواب عن الأول: أن حمل الرفعة على الإماتة بعيد، وعن الثاني: أنه تعالى إذا منعه منه قهرا، لم يكن ذلك موجبا للثواب والرفعة.
ثم قال تعالى: * (ولكنه أخلد إلى الأرض) * قال أصحاب العربية: أصل الإخلاد اللزوم على