التوحيد والنبوة والمعاد قسمان: أحدهما: الذين بلغوا في هذه المعارف إلى حيث صاروا كالمشاهدين لها وهم أصحاب عين اليقين. والثاني: الذين ما بلغوا إلى ذلك الحد إلا أنهم وصلوا إلى درجات المستدلين: وهم أصحاب علم اليقين، فالقرآن في حق الأولين وهم السابقون بصائر، وفي حق القسم الثاني وهم المقتصدون هدى، وفي حق عامة المؤمنين رحمة، ولما كانت الفرق الثلاث من المؤمنين لا جرم قال: * (لقوم يؤمنون) *.
* (وإذا قرىء القرءان فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) *.
اعلم أنه تعالى لما عظم شأن القرآن بقوله: * (هذا بصائر من ربكم) * (الأعراف: 203) أردفه بقوله: * (وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) * وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: الإنصات السكوت والاستماع، يقال: نصت، وأنصت، وانتصت، بمعنى واحد.
المسألة الثانية: لا شك أن قوله: * (فاستمعوا له وأنصتوا) * أمره، وظاهر الأمر للوجوب، فمقتضاه أن يكون الاستماع والسكوت واجبا، وللناس فيه أقوال.
القول الأول: وهو قول الحسن وقول أهل الظاهر أنا نجري هذه الآية على عمومها ففي أي موضع قرأ الإنسان القرآن وجب على كل أحد استماعه والسكوت، فعلى هذا القول يجب الإنصات لعابري الطريق، ومعلمي الصبيان.
والقول الثاني: أنها نزلت في تحريم الكلام في الصلاة. قال أبو هريرة رضي الله عنه: كانوا يتكلمون في الصلاة فنزلت هذه الآية، وأمروا بالإنصات، وقال قتادة: كان الرجل يأتي وهم في الصلاة فيسألهم، كم صليتم وكم بقي؟ وكانوا يتكلمون في الصلاة بحوائجهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
والقول الثالث: أن الآية نزلت في ترك الجهر بالقراءة وراء الإمام. قال ابن عباس قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة المكتوبة وقرأ أصحابه وراءه رافعين أصواتهم، فخلطوا عليه، فنزلت هذه الآية وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.
والقول الرابع: أنها نزلت في السكوت عند الخطبة، وهذا قول سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وهذا القول منقول عن الشافعي رحمه الله، وكثير من الناس قد استبعد هذا القول، وقال اللفظ