بكونه معجزا على صدق نبوته، وعند هذا يسقط استدلال الخصوم بهذه الآية من كل الوجوه، ومما يقوى أن حمل الآية على ما ذكرناه أولى، وجوه:
الوجه الأول: أنه تعالى حكى عن الكفار أنهم قالوا: * (لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه لعلكم تغلبون) * (فصلت: 26) فلما حكى عنهم ذلك ناسب أن يأمرهم بالاستماع والسكوت، حتى يمكنهم الوقوف على ما في القرآن من الوجوه الكثيرة البالغة إلى حد الإعجاز.
والوجه الثاني: أنه تعالى قال قبل هذه الآية: * (هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) * فحكم تعالى بكون هذا القرآن رحمة للمؤمنين على سبيل القطع والجزم.
ثم قال: * (وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) * ولو كان المخاطبون بقوله: * (فاستمعوا له وأنصتوا) * هم المؤمنون لما قال: * (لعلكم ترحمون) * لأنه جزم تعالى قبل هذه الآية بكون القرآن رحمة للمؤمنين قطعا فكيف يقول بعده من غير فصل لعل استماع القرآن يكون رحمة للمؤمنين؟ أما إذا قلنا: إن المخاطبين بقوله: * (فاستمعوا له وأنصتوا) * هم الكافرون، صح حينئذ قوله: * (لعلكم ترحمون) * لأن المعنى؛ فاستمعوا له وأنصتوا فلعلكم تطلعون على ما فيه من دلائل الإعجاز، فتؤمنوا بالرسول فتصيروا مرحومين، فثبت أنا لو حملناه على ما قلناه حسن قوله: * (لعلكم ترحمون) * ولو قلنا إن الخطاب خطاب مع المؤمنين لم يحسن ذكر لفظ " لعل " فيه. فثبت أن حمل الآية على التأويل الذي ذكرناه أولى، وحينئذ يسقط استدلال الخصم به من كل الوجوه، لأنا بينا بالدليل أن هذا الخطاب ما يتناول المؤمنين، وإنما تناول الكفار في أول زمان تبليغ الوحي والدعوة.
* (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والاصال ولا تكن من الغافلين) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى لما قال: * (وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) * (الأعراف: 204) اعلم أن قارئا يقرأ القرآن بصوت عال حتى يمكنهم استماع القرآن، ومعلوم أن ذلك القارئ ليس إلا الرسول عليه السلام، فكانت هذه الآية جارية مجرى أمر الله محمدا صلى الله عليه وسلم بأن يقرأ القرآن على القوم بصوت عال رفيع، وإنما أمره بذلك ليحصل المقصود من تبليغ الوحي والرسالة، ثم إنه