والخمر وما هددوا بترتيب العقاب على هذه القبائح، وذلك يوجب سقوط التكاليف عنهم ولا يقوله عاقل. وأيضا فلو صار كذلك، فكيف آخذهم الله تعالى في ذلك الموضع بعينه في تلك الواقعة بعينها، وكيف وجه عليهم هذا العقاب القوي؟
والقول الرابع: لولا كتاب من الله سبق في أن من أتى ذنبا بجهالة، فإنه لا يؤاخذه به لمسهم العذاب، وهذا من جنس ما سبق.
واعلم أن الناس قد أكثروا فيه، والمعتمد في هذا الباب أن نقول: أما على قولنا: فنقول: يجوز أن يعفو الله عن الكبائر. فقوله: * (لولا كتاب من الله سبق) * معناه لولا أنه تعالى حكم في الأزل بالعفو عن هذه الواقعة لمسهم عذاب عظيم، وهذا هو المراد من قوله: * (كتب ربكم على نفسه الرحمة) * (الأنعام: 54) ومن قوله: " سبقت رحمتي غضبي " وأما على قول المعتزلة فهم لا يجوزون العفو عن الكبائر، فكان معناه * (لولا كتاب من الله سبق) * في أن من احترز عن الكبائر صارت صغائره مغفورة وإلا لمسهم عذاب عظيم، وهذا الحكم وإن كان ثابتا في حق جميع المسلمين، إلا أن طاعات أهل بدر كانت عظيمة وهو قبولهم الإسلام، وانقيادهم لمحمد صلى الله عليه وسلم، وإقدامهم على مقاتلة الكفار من غير سلاح وأهبة فلا يبعد أن يقال: إن الثواب الذي استحقوه على هذه الطاعات كان أزيد من العقاب الذي استحقوه على هذا الذنب، فلا جرم صار هذا الذنب مغفورا، ولو قدرنا صدور هذا الذنب من سائر المسلمين لما صار مغفورا، فبسبب هذا القدر من التفاوت حصل لأهل بدر هذا الاختصاص.
ثم قال تعالى: * (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) * روى أنهم أمسكوا عن الغنائم ولم يمدوا أيديهم إليها، فنزلت هذه الآية. وقيل هو إباحة الفداء.
فإن قيل: ما معنى الفاء في قوله: * (فكلوا) *.
قلنا التقدير: قد أبحت لكم الغنائم * (فكلوا مما غنمتم حلالا) * نصب على الحال من المغنوم أو صفة للمصدر، أي أكلا حلالا * (واتقوا الله إن الله غفور رحيم) * والمعنى: واتقوا الله فلا تقدموا على المعاصي بعد ذلك، واعلموا أن الله غفور ما أقدمتم عليه في الماضي من الزلة، رحيم ما أتيتم من الجرم والمعصية، فقوله: * (واتقوا الله) * إشارة إلى لمستقبل. وقوله: * (إن الله غفور رحيم) * إشارة إلى الحالة الماضية.
* (يا أيها النبى قل لمن فى أيديكم من الاسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا