فهو المهتدي ومن يضلل عن ذلك لما تقدم منه من سوء اختياره، فأخرج لهذا السبب بتلك الألطاف من أن يؤثر فيه فهو من الخاسرين.
واعلم أنا بينا أن الدلائل العقلية القاطعة، قد دلت على أن الهداية والإضلال لا يكونان إلا من الله من وجوه: الأول: أن الفعل يتوقف على حصول الداعي وحصول الداعي ليس إلا من الله فالفعل ليس إلا من الله. الثاني: أن خلاف معلوم الله ممتنع الوقوع، فمن علم الله منه الإيمان لم يقدر على الكفر وبالضد. الثالث: أن كل أحد يقصد حصول الإيمان والمعرفة، فإذا حصل الكفر عقيبه علمنا أنه ليس منه بل من غيره، ثم نقول:
أما التأويل الأول: فضعيف لأنه حمل قوله: * (من يهد الله) * على الهداية في الآخرة إلى الجنة وقوله: * (فهو المهتدي) * على الاهتداء إلى الحق في الدنيا، وذلك يوجب ركاكة في النظم، بل يجب أن تكون الهداية والاهتداء راجعين إلى شيء واحد، حتى يكون الكلام حسن النظم.
وأما الثاني: فإنه التزام لإضمار زائد، وهو خلاف اللفظ، ولو جاز فتح باب أمثال هذه الإضمارات لانقلب النفي إثباتا والإثبات نفيا، ويخرج كلام الله عز وجل من أن يكون حجة، فإن لكل أحد أن يضمر في الآية ما يشاء، وحينئذ يخرج الكل عن الإفادة.
وأما الثالث: فضعيف لأن قول القائل فلان هدى فلانا لا يفيد في اللغة البتة أنه وصفه بكونه مهتديا، وقياس هذا على قوله فلان ضلل فلانا وكفره، قياس في اللغة وأنه في نهاية الفساد والرابع: أيضا باطل لأن كل ما في مقدور الله تعالى من الألطاف، فقد فعله عند المعتزلة في حق جميع الكفار، فحمل الآية على هذا التأويل بعيد. والله أعلم.
المسألة الثانية: قوله: * (فهو المهتدي) * (الأعراف: 178) يجوز إثبات الياء فيه على الأصل، ويجوز حذفها طلبا للتخفيف كما قيل في بيت الكتاب:
فطرت بمنصلي في يعملات * دوامي الأيد يخبطن السريحا ومن أبياته أيضا: كخوف ريش حمامة نجدية * مسحت بماء البين عطف الأثمد قال أبو الفتح الموصلي يريد كخواف محذوف الياء.
وأما قوله: * (ومن يضلل) * يريد ومن يضلله الله ويخذله * (فأولئك هم الخاسرون) * أي خسروا الدنيا والآخرة.