والذي يدل على صحة أن الملائكة ما نزلوا للقتال قوله تعالى: * (وما جعله الله إلا بشرى) * قال الفراء: الضمير عائد إلى الأرداف والتقدير: ما جعل الله الأرداف إلا بشرى. وقال الزجاج: ما جعل الله المردفين إلا بشرى، وهذا أولى لأن الأمداد بالملائكة حصل بالبشرى. قال ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر في العريش قاعدا يدعو، وكان أبو بكر قاعدا عن يمينه ليس معه غيره، فخفق رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه نعسا، ثم ضرب بيمينه على فخذ أبي بكر وقال: " أبشر بنصر الله ولقد رأيت في منامي جبريل يقدم الخيل " وهذا يدل على أنه لا غرض من إنزالهم إلا حصول هذه البشرى، وذلك ينفي إقدامهم على القتال.
ثم قال تعالى: * (وما النصر إلا من عند الله) * والمقصود التنبيه على أن الملائكة وإن كانوا قد نزلوا في موافقة المؤمنين، إلا أن الواجب على المؤمن أن لا يعتمد على ذلك بل يجب أن يكون اعتماده على إغاثة الله ونصره وهدايته وكفايته لأجل أن الله هو العزيز الغالب الذي لا يغلب، والقاهر الذي لا يقهر، والحكيم فيما ينزل من النصرة فيضعها في موضعها.
* (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السمآء مآء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام * إذ يوحى ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين ءامنوا سألقى في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان * ذلك بأنهم شآقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال الزجاج: * (إذ) * موضعها نصب على معنى * (وما جعله الله إلا بشرى) * (آل عمران: 126)