على لزوم الذل والصغار لليهود بقوله تعالى: * (ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله) * (آل عمران: 112) إلا أن دلالتها ليست قوية لأن الاستثناء المذكور في هذه الآية يمنع من القطع على لزوم الذل لهم في كل الأحوال. أما الآية التي نحن في تفسيرها لم يحصل فيها تقييد ولا استثناء، فكانت دلالتها على هذا المعنى قوية جدا. واختلفوا في أن الذين يلحقون هذا الذل بهؤلاء اليهود من هم، فقال بعضهم: الرسول وأمته وقيل يحتمل دخول الولاة الظلمة منهم، وإن لم يؤمروا بالقيام بذلك إذا أذلوهم. وهذا القائل حمل قوله: * (ليبعثن) * على نحو قوله: * (إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين) * (مريم: 83) فإذا جاز أن يكون المراد بالإرسال التخلية، وترك المنع، فكذلك البعثة، وهذا القائل. قال: المراد بختنصر وغيره إلى هذا اليوم، ثم أنه تعالى ختم الآية بقوله: * (إن ربك لسريع العقاب) * والمراد التحذير من عقابه في الآخرة مع الذلة في الدنيا * (وإنه لغفور رحيم) * لمن تاب من الكفر واليهودية، ودخل في الإيمان بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم.
* (وقطعناهم في الارض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون) *.
واعلم أن قوله: * (وقطعناهم) * أحد ما يدل على أن الذي تقدم من قوله: * (ليبعثن عليهم) * (الأعراف: 167) المراد جملة اليهود، ومعنى * (قطعناهم) * أي فرقناهم تفريقا شديدا. فلذلك قال بعده: * (في الأرض أمما) * وظاهر ذلك أنه لا أرض مسكونة إلا ومنهم فيها أمة، وهذا هو الغالب من حال اليهود، ومعنى قطعناهم، فإنه قلما يوجد بلد إلا وفيه طائفة منهم.
ثم قال: * (منهم الصالحون) * قيل المراد القوم الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام لأنه كان فيهم أمة يهدون بالحق. وقال ابن عباس ومجاهد: يريد الذين أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا به وقوله: * (ومنهم دون ذلك) * أي ومنهم قوم دون ذلك، والمراد من أقام على اليهودية.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون قوله: * (ومنهم دون ذلك) * من يكون صالحا إلا أن صلاحه كان دون صلاح الأولين لأن ذلك إلى الظاهر أقرب.
قلنا: أن قوله بعد ذلك: * (لعلهم يرجعون) * يدل على أن المراد بذلك من ثبت على اليهودية وخرج من الصلاح.