واعلم أن في رفع قوله: * (ورسوله) * وجوها: الأول: أنه رفع بالابتداء وخبره مضمر، والتقدير ورسوله أيضا بريء والخبر عن الله دل على الخبر عن الرسول. والثاني: أنه عطف على المنوي في بريء فإن التقدير بريء هو ورسوله من المشركين. الثالث: أن قوله: * (أن الله) * رفع بالابتداء وقوله: * (برئ) * خبره وقوله: * (ورسوله) * عطف على المبتدأ الأول. قال صاحب " الكشاف ": وقد قرىء بالنصب عطفا على اسم أن لأن الواو بمعنى مع، أي برئ مع رسوله منهم، وقرئ بالجر على الجوار وقيل على القسم والتقدير أن الله بريء من المشركين وحق رسوله.
ثم قال تعالى: * (فإن تبتم) * أي عن الشرك * (فهو خير لكم) * وذلك ترغيب من الله في التوبة والإقلاع عن الشرك الموجب لكون الله ورسوله موصوفين بالبراءة منه * (وإن توليتم) * أي أعرضتم عن التوبة عن الشرك * (فاعلموا أنكم غير معجزي الله) * وذلك وعيد عظيم، لأن هذا الكلام يدل على كونه تعالى قادرا على إنزال أشد العذاب بهم.
ثم قال: * (وبشر الذين كفروا بعذاب أليم) * في الآخرة لكي لا يظن أن عذاب الدنيا لما فات وزال، فقد تخلص عن العذاب، بل العذاب الشديد معد له يوم القيامة ولفظ البشارة ورد ههنا على سبيل استهزاء كما يقال: تحيتهم الضرب وإكرامهم الشتم.
* (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين) *.
هذا الاستثناء إلى أي شيء عاد؟ فيه وجهان: الأول: قال الزجاج: إنه عائد إلى قوله: * (براءة) * والتقدير * (براءة من الله ورسوله) * إلى المشركين المعاهدين إلا من الذين لم ينقضوا العهد. والثاني: قال صاحب " الكشاف "، وجهه أن يكون مستثنى من قوله: * (فسيحوا في الأرض) * لأن الكلام خطاب للمسلمين، والتقدير: براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم منهم ثم لم ينقصوكم فأتموا إليهم عهدهم.
واعلم أنه تعالى وصفهم بأمرين: أحدهما: قوله: * (ثم لم ينقصوكم) * والثاني: قوله: * (ولم يظاهروا عليكم أحدا) * والأقرب أن يكون المراد من الأول أن يقدموا على المحاربة بأنفسهم، ومن الثاني: