له ألف ألف عالم وراء هذا العالم، وله في كل واحد منها عرش أعظم من هذا العرش، وكرسي أعلى من هذا الكرسي، وسموات أوسع من هذه السماوات، وكيف يمكن إحاطة عقل البشر بكمال ملك الله وملكوته، بعد أن سمع قوله: * (وما يعلم جنود ربك إلا هو) * (المدثر: 31) فإذا استحضر الإنسان هذه الأقسام في عقله وأراد الخوض في معرفة أسرار حكمته وإلهيته فهم قولهم: * (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) * (البقرة: 32) ونعم ما قال أبو العلاء المعري:
يا أيها الناس كم لله من فلك * تجري النجوم به والشمس والقمر هنا على الله ماضينا وغابرنا * فما لنا في نواحي غيره خطر * (من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم فى طغيانهم يعمهون) *.
اعلم أنه تعالى عاد في هذه الآية مرة أخرى إلى نعت أحوال الضالين المكذبين فقال: * (من يضلل الله فلا هادي له) * واعلم أن استدلال أصحابنا بهذه الآية على أن الهدى والضلال من الله مثل ما سبق في الآية السالفة، وتأويلات المعتزلة، وجوابنا عنها مثل ما تقدم فلا فائدة في الإعادة، وقوله: * (ويذرهم في طغيانهم) * رفع بالاستئناف وهو مقطوع عما قبله، وقرأ أبو عمرو " ويذرهم " بالياء ورفع الراء لتقدم اسم الله سبحانه، وقرأ حمزة والكسائي بالياء والحزم، ووجه ذلك فيما يقول سيبويه: إنه عطف على موضع الفاء وما بعدها من قوله: * (فلا هادي له) * لأن موضع الفاء وما بعدها جزم لجواب الشرط، فحمل " ويذرهم " على موضع الذي هو جزم.
* (يسالونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتهآ إلا هو ثقلت فى السماوات والارض لا تأتيكم إلا بغتة يسالونك كأنك حفى عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون) *.
اعلم أن في نظم الآية وجهين: الأول: أنه تعالى لما تكلم في التوحيد والنبوة والقضاء والقدر