ولما رأوا أنهم قد ضلوا سقط في أيديهم لما نالهم من عظيم الحسرة، ويمكن أن يقال إنه لا حاجة إلى هذا التقديم والتأخير، وذلك لأن الإنسان إذا صار شاكا في أن العمل الذي أقدم عليه هل هو صواب أو خطأ؟ فقد يندم عليه من حيث إن الإقدام على ما لا يعلم كونه صوابا أو خطأ فاسدا أو باطلا غير جائز، فعند ظهور هذه الحالة يحصل الندم، ثم بعد ذلك يتكامل العلم ويظهر أنه كان خطأ وفاسدا وباطلا فثبت أن على هذا التقدير لا حاجة إلى التزام التقديم والتأخير. ثم بين تعالى أنهم عند ظهور هذا الندم وحصول العلم بأن الذي عملوه كان باطلا أظهروا الانقطاع إلى الله تعالى ف * (قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين) * وهذا كلام من اعترف بعظيم ما أقدم عليه وندم على ما صدر منه ورغب إلى ربه في إقالة عثرته، ثم صدقوا على أنفسهم كونهم من الخاسرين إن لم يغفر الله لهم، وهذا الندم والاستغفار إنما حصل بعد رجوع موسى عليه السلام إليهم، وقرئ: (لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا) بالتاء * (وربنا) * بالنصب على النداء، وهذا كلام التائبين كما قال آدم وحواء عليهما السلام: * (وإن لم تغفر لنا وترحمنا) *.
* (ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتمونى من بعدى أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفونى وكادوا يقتلوننى فلا تشمت بى الأعدآء ولا تجعلنى مع القوم الظالمين * قال رب اغفر لى ولأخى وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن قوله: * (ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا) * لا يمنع من أن يكون قد