بعلمه إلى طلب الدنيا، فذاك إنما يكون لأجل أنه يورد عليهم أنواع علومه ويظهر عندهم فضائل نفسه ومناقبها، ولا شك أنه عند ذكر تلك الكلمات، وتقرير تلك العبارات يدلع لسانه، ويخرجه لأجل ما تمكن في قلبه من حرارة الحرص وشدة العطش إلى الفوز بالدنيا، فكانت حالته شبيهة بحالة ذلك الكلب الذي أخرج لسانه أبدا من غير حاجة ولا ضرورة، بل بمجرد الطبيعة الخسيسة والثالث: أن الكلب اللاهث لا يزال لهثة البتة، فكذلك الإنسان الحريص لا يزال حرصه البتة.
أما قوله تعالى: * (إن تحمل عليه يلهث) * فالمعنى أن هذا الكلب إن شد عليه وهيج لهث وإن ترك أيضا لهث، لأجل أن ذلك الفعل القبيح طبيعة أصلية له، فكذلك هذا الحريص الضال إن وعظته فهو ضال، وإن لم تعظه فهو ضال لأجل أن ذلك الضلال والخسارة عادة أصلية وطبيعية ذاتية له.
فإن قيل: ما محل قوله: * (إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) *.
قلنا: النصب على الحال، كأنه قيل كمثل الكلب ذليلا لاهثا في الأحوال كلها.
ثم قال تعالى: * (ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا) * فعم بهذا التمثيل جميع المكذبين بآيات الله قال ابن عباس: يريد أهل مكة كانوا يتمنون هاديا يهديهم وداعيا يدعوهم إلى طاعة الله، ثم جاءهم من لا يشكون في صدقه وديانته فكذبوه، فحصل التمثيل بينهم وبين الكلب الذي إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث لأنهم لم يهتدوا لما تركوا ولم يهتدوا لما جاءهم الرسول فبقوا على الضلال في كل الأحوال مثل هذا الكلب الذي بقي على اللهث في كل الأحوال.
ثم قال: * (فاقصص القصص) * يريد قصص الذين كفروا وكذبوا أنبياءهم * (لعلهم يتفكرون) * يريد يتعظون.
* (سآء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون) *.
اعلم أنه تعالى لما قال بعد تمثيلهم بالكلب * (ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا) * وزجر بذلك عن الكفر والتكذيب أكده في باب الزجر بقوله تعالى: * (ساء مثلا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال الليث: ساء يسوء فعل لازم ومتعد يقال: ساءت الشيء يسوء فهو سئ إذا قبح وساءه يسوءه مساءة. قال النحويون: تقديره ساء مثلا، مثل القوم انتصب مثلا على التمييز لأنك إذا قلت ساء جاز أن تذكر شيئا آخر سوى مثلا، فلما ذكرت نوعا، فقد ميزته من سائر