* (يا أيها الذين ءامنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار * ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد بآء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال الأزهري: أصل الزحف للصبي، وهو أن يزحف على أسته قبل أن يقوم، وشبه بزحف الصبي مشي الطائفتين اللتين تذهب كل واحدة منهما إلى صاحبتها للقتال، فيمشي كل فئة مشيا رويدا إلى الفئة الأخرى قبل التداني للضراب. قال ثعلب: الزحف المشي قليلا قليلا إلى الشيء، ومنه الزحاف في الشعر يسقط مما بين حرفين. حرف فيزحف أحدهما إلى الآخر.
إذا عرفت هذا فنقول: قوله: * (إذا لقيتم الذين كفروا زحفا) * أي متزاحفين نصب على الحال، ويجوز أن يكون حالا للكفار، ويجوز أن يكون حالا للمخاطبين وهم المؤمنون، والزحف مصدر موصوف به كالعدل والرضا، ولذلك لم يجمع، والمعنى: إذا ذهبتم إليهم للقتال، فلا تنهزموا، ومعنى * (فلا تولوهم الأدبار) * أي لا تجعلوا ظهوركم مما يليهم. ثم إنه تعالى لما نهى عن هذا الانهزام بين أن هذا الانهزام محرم إلا في حالتين: إحداهما: أن يكون متحرفا للقتال، والمراد منه أن يخيل إلى عدوه أنه منهزم. ثم ينعطف عليه، وهو أحد أبواب خدع الحرب ومكايدها، يقال: تحرف وانحرف إذا زال عن جهة الاستواء. والثانية: قوله: * (أو متحيزا إلى فئة) * قال أبو عبيدة: التحيز التنحي وفيه لغتان: التحيز والتحوز. قال الواحدي: وأصل هذا الحوز، وهو الجمع. يقال: حزته فانحاز وتحوز وتحيز إذا انضم واجتمع، ثم سمى التنحي تحيزا، لأن المتنحي عن جانب ينفصل عنه ويميل إلى غيره.
إذا عرفت هذا فنقول: الفئة الجماعة، فإذا كان هذا المتحيز كالمنفرد، وفي الكفار كثرة، وغلب على ظن ذلك المنفرد أنه إن ثبت قتل من غير فائدة، وإن تحيز إلى جمع كان راجيا للخلاص، وطامعا في العدو بالكثرة، فربما وجب عليه التحيز إلى هذه الفئة فضلا عن أن يكون ذلك جائزا