والمراد من هذا البلاء الأنعام، أي ينعم عليهم نعمة عظيمة بالنصرة والغنيمة والأجر والثواب، قال القاضي: ولولا أن المفسرين اتفقوا على حمل الابتلاء ههنا على النعمة، وإلا لكان يحتمل المحنة بالتكليف فيما بعده من الجهاد، حتى يقال: إن الذي فعله تعالى يوم بدر، كان السبب في حصول تكليف شاق عليهم فيما بعد ذلك من الغزوات.
ثم إنه تعالى ختم هذا بقوله: * (إن الله سميع عليم) * أي سميع لكلامكم عليم بأحوال قلوبكم، وهذا يجري مجرى التحذير والترهيب، لئلا يغتر العبد بظواهر الأمور، ويعلم أن الخالق تعالى مطلع على كل ما في الضمائر والقلوب.
* (ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين * إن تستفتحوا فقد جآءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغنى عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو * (موهن) * بتشديد الهاء من التوهين * (كيد) * بالنصب، وقرأ حفص عن عاصم * (موهن كيد) * بالإضافة، والباقون * (موهن) * بالتخفيف * (كيد) * بالنصب، ومثله قوله: * (كاشفات ضره) * (الزمر: 38) بالتنوين وبالإضافة.
المسألة الثانية: الكلام في ذلك ومحله من الإعراب كما في قوله: * (ذلكم فذوقوه) * (الأنفال: 14).
المسألة الثالثة: توهين الله تعالى كيدهم. يكون بأشياء باطلاع المؤمنين على عوراتهم، وإلقاء الرعب في قلوبهم، وتفريق كلمتهم، ونقض ما أبرموا بسبب اختلاف عزائمهم. قال ابن عباس ينبئ رسول الله ويقول: إني قد أوهنت كيد عدوك حتى قتلت خيارهم وأسرت أشرافهم.
أما قوله تعالى: * (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) * فيه قولان:
القول الأول: وهو قول الحسن ومجاهد والسدي أنه خطاب للكفار، روي أن أبا جهل قال يوم بدر: اللهم انصر أفضل الدينين وأحقه بالنصر، وروي أنه قال: اللهم أينا كان أقطع