زيادة مذكورة لتأكيد ما قبله.
فإن قيل: التمسك بالكتاب يشتمل على كل عبادة، ومنها إقامة الصلاة فكيف أفردت بالذكر؟
قلنا: إظهارا لعلو مرتبة الصلاة، وأنها أعظم العبادات بعد الإيمان.
* (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا مآ ءاتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون) *.
قال أبو عبيدة: أصل النتق قلع الشيء من موضعه، والرمي به. يقال: نتق ما في الجراب إذا رمى به وصبه. وامرأة ناتق ومنتاق إذا كثر ولدها لأنها ترمي بأولادها رميا فمعنى * (نتقنا الجبل) * أي قلعناه من أصله وجعلناه فوقهم وقوله: * (كأنه ظلة) * قال ابن عباس: كأنه سقيفة والظلة كل ما أظلك من سقف بيت أو سحابة أو جناح حائط، والجمع ظلل وظلال، وهذه القصة مذكورة في سورة البقرة * (وظنوا أنه واقع بهم) * (الأعراف: 171) قال المفسرون: علموا وأيقنوا. وقال أهل المعاني: قوي في نفوسهم أنه واقع بهم إن خالفوه، وهذا هو الأظهر في معنى الظن، ومضى الكلام فيه عند قوله * (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) * (البقرة: 46) روى أنهم أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة لغلظها وثقلها، فرفع الله الطور على رؤوسهم مقدار عسكرهم، وكان فرسخا في فرسخ، وقيل لهم: إن قبلتموها بما فيها وإلا ليقعن عليكم، فلما نظروا إلى الجبل خر كل واحد منهم ساجدا على حاجبه الأيسر، وهو ينظر بعينه اليمنى خوفا من سقوطه، فلذلك لا ترى يهوديا يسجد إلا على حاجبه الأيسر وهو ينظر بعينه اليمنى، ويقولون هي السجدة التي رفعت عنا بها العقوبة.
ثم قال تعالى: * (خذوا ما آتيناكم بقوة) * أي وقلنا خذوا ما آتيناكم أو قائلين: خذوا ما آتيناكم من الكتاب بقوة وعزم على احتمال مشاقه وتكاليفه * (واذكروا ما فيه) * من الأوامر والنواهي، أي واذكروا ما فيه من الثواب والعقاب، ويجوز أن يراد: خذوا ما آتيناكم من الآية العظيمة بقوة، إن كنتم تطيقونه كقوله: * (إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا) * (الرحمان: 33) واذكروا ما فيه من الدلالة على القدرة الباهرة لعلكم تتقون ما أنتم عليه.