والاستغفار، أما النبي فقد مضى، وأما الاستغفار فهو باق إلى يوم القيامة، ثم قال: * (وما لهم ألا يعذبهم الله) * واعلم أنه تعالى بين في الآية الأولى أنه لا يعذبهم ما دام رسول الله فيهم، وذكر في هذه الآية أنه يعذبهم فكان المعنى أنه يعذبهم إذا خرج الرسول من بينهم ثم اختلفوا في هذا العذاب فقال بعضهم: لحقهم هذا العذاب المتوعد به يوم بدر، وقيل بل يوم فتح مكة، وقال ابن عباس: هذا العذاب هو عذاب الآخرة، والعذاب الذي نفاه عنهم هو عذاب الدنيا، ثم بين تعالى ما لأجله يعذبهم، فقال: * (وهم يصدون عن المسجد الحرام) * وقد ظهرت الأخبار أنهم كيف صدوا عنه عام الحديبية، ونبه على أنهم يصدون لادعائهم أنهم أولياؤه، ثم بين بطلان هذه الدعوى بقوله: * (وما كانوا أولياؤه إن أولياؤه إلا المتقون) * الذين يتحرزون عن المنكرات، كالذي كانوا يفعلونه عند البيت من المكاء والتصدية، والمقصود بيان أن من كانت هذه حاله لم يكن وليا للمسجد الحرام، فهم إذن أهل لأن يقتلوا بالسيف ويحاربوا، فقتلهم الله يوم بدر، وأعز الإسلام بذلك على ما تقدم شرحه.
* (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكآء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) *.
اعلم أنه تعالى لما قال في حق الكفار أنهم ما كانوا أولياء البيت الحرام. وقال: * (إن أولياؤه إلا المتقون) * (الأنفال: 34) بين بعده ما به خرجوا من أن يكونوا أولياء البيت، وهو أن صلاتهم عند البيت وتقربهم وعبادتهم إنما كان بالمكاء والتصدية. قال صاحب " الكشاف ": المكاء فعال بوزن النغاء والرغاء من مكا يمكو إذا صفر، والمكاء الصفير. ومنه المكاء وهو طائر يألف الريف، وجمعه المكاكي سمى بذلك لكثرة مكانه. وأما التصدية فهي التصفيق. يقال: صدى يصدي تصدية إذا صفق بيديه، وفي أصلها قولان: الأول: أنها من الصدى وهو الصوت الذي يرجع من جبل. الثاني: قال أبو عبيدة: أصلها تصددة، فأبدلت الياء من الدال. ومنه قوله تعالى: * (إذا قومك منه يصدون) * (الزخرف: 57) أي يعجزون، وأنكر بعضهم هذا الكلام، والأزهري صحح قول أبي عبيدة. وقال: صدى أصله صدى، فكثرت الدالات الدالة فقلبت إحداهن ياء.
إذا عرفت هذا فنقول: قال ابن عباس: كانت قريش يطوفون بالبيت عراة يصفرون ويصفقون