واعلم أنه تعالى ذكر في هذه الآية قوله: * (بغير الحق) * لأن إظهار الكبر على الغير قد يكون بالحق، فإن للمحق أن يتكبر على المبطل، وفي الكلام المشهور التكبر على المتكبر صدقة.
أما قوله تعالى: * (وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا) * ففيه مباحث:
البحث الأول: قرأ حمزة والكسائي: * (الرشد) * بفتح الراء والشين والباقون بضم الراء وسكون الشين. وفرق أبو عمرو بينهما فقال: * (الرشد) * بضم الراء الصلاح لقوله تعالى: * (فإن آنستم منهم رشدا) * (النساء: 6) أي صلاحا، و * (الرشد) * بفتحهما الاستقامة في الدين. قال تعالى: * (مما علمت رشدا) * (الكهف: 66) وقال الكسائي هما لغتان بمعنى واحد، مثل الحزن والحزن، والسقم والقسم، وقيل: * (الرشد) * بالضم الاسم، وبالفتحتين المصدر.
البحث الثاني: * (سبيل الرشد) * عبارة عن سبيل الهدى والدين الحق والصواب في العلم والعمل و * (سبيل الغي) * ما يكون مضادا لذلك، ثم بين تعالى أن هذا الصرف إنما كان لأمرين: أحدهما: كونهم مكذبين بآيات الله. والثاني: كونهم غافلين عنها، والمراد أنهم واظبوا على الإعراض عنها حتى صاروا بمنزلة الغافل عنها. والله أعلم.
قوله تعالى (والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون).
اعلم أنه تعالى لما ذكر ما لأجله صرف المتكبرين عن آياته بقوله (ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين) بين حال أولئك المكذبين، فقد كان يجوز أن يظن أنهم يختلفون في باب العقاب لان فيهم من يعمل بعض أعمال البر، فبين تعالى حال جميعهم سواء كان متكبرا أو متواضعا أو كان قليل الاحسان، أو كان كثير الاحسان، فقال (والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة) يعنى بذلك جحدهم للميعاد وجراءتهم على المعاصي، فبين تعالى أن أعمالهم محبطة، والكلام في حقيقة الاحباط قد تقدم في سورة البقرة على الاستقصاء فلا فائدة في الإعادة.
ثم قال تعالى (هل يجزون إلا ما كانوا يعملون) وفيه حذف والتقدير: هل يجزون إلا بما كانوا يعملون؟ أو على ما كانوا يعملون. احتج أصحابنا بهذه الآية على فساد قول أبى هاشم في أن تارك الواجب يستحق العقاب بمجرد أن لا يفعل الواجب، وإن لم يصدر منه فعل عند ذلك الواجب قالوا: هذه الآية تدل على أنه لاجزاء إلا على العمل، وليس ترك الواجب يعمل، فوجب أن لا يجازى