البحث الثاني: نقل عن ابن عباس أنه قال: قوله تعالى: * (ألا تقاتلون قوما) * ترغيب في فتح مكة وقوله: * (قوما نكثوا أيمانهم) * أي عهدهم، يعني قريشا حين أعانوا بني الديل بن بكر على خزاعة خلفاء الرسول عليه الصلاة والسلام، فأمر الله رسوله أن يسير إليهم فينصر خزاعة، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأمر الناس أن يتجهزوا إلى مكة وأبو سفيان عند هرقل بالروم، فرجع وقدم المدينة ودخل على فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم يستجير بها فأبت، وقالت ذلك لابنيها الحسن والحسين فأبيا، فخاطب أبا بكر فأبى، ثم خاطب عمر فتشدد، ثم خاطب عليا فلم يجبه، فاستجار بالعباس وكان مصافيا له فأجاره، وأجاره الرسول لإجارته وخلى سبيله. فقال العباس: يا رسول الله إن أبا سفيان فيه أبهة فاجعل له شيئا، فقال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فعاد إلى مكة ونادى من دخل داري فهو آمن فقاموا إليه وضربوه ضربا شديدا وحصل الفتح عند ذلك، فهذا ما قاله ابن عباس. وقال الحسن: لا يجوز أن يكون المراد منه ذلك، لأن سورة براءة نزلت بعد فتح مكة بسنة، وتمييز حق هذا الباب من باطله لا يعرف إلا بالأخبار.
البحث الثالث: قال أبو بكر الأصم: دلت هذه الآية على أنهم كرهوا هذا القتال لقوله تعالى: * (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) * (البقرة: 216) فآمنهم الله تعالى بهذه الآيات. قال القاضي: إنه تعالى قد يحث على فعل الواجب من لا يكون كارها له ولا مقصرا فيه، فإن أراد أن مثل هذا التحريض علي الجهاد لا ينفع إلا وهناك كره للقتال لم يصح أيضا، لأنه يجوز أن يحث الله تعالى بهذا الجنس على الجهاد لكي لا يحصل الكره الذي لولا هذا التحريض كان يقع.
البحث الرابع: دلت هذه الآية على أن المؤمن ينبغي أن يخشى ربه، وأن لا يخشى أحدا سواه.