وقال مجاهد: كانوا يعارضون النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف ويستهزؤون به ويصفرون ويخلطون عليه طوافه وصلاته، وقال مقاتل: كان إذا صلى الرسول في المسجد يقومون عن يمينه ويساره بالتصفير والتصفيق ليخلطوا عليه صلاته. فعلى قول ابن عباس: كان المكاء والتصدية نوع عبادة لهم، وعلى قول مجاهد ومقاتل، كان إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم. والأول أقرب لقوله تعالى: * (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) *.
فإن قيل: المكاء والتصدية ما كانا من جنس الصلاة فكيف يجوز استثناؤهما عن الصلاة؟
قلنا: فيه وجوه: الأول: أنهم كانوا يعتقدون أن المكاء والتصدية من جنس الصلاة، فخرج هذا الاستثناء على حسب معتقدهم. الثاني: أن هذا كقولك وددت الأمير فجعل جفائي صلتي. أي أقام الجفاء مقام الصلة فكذا ههنا. الثالث: الغرض منه أن من كان المكاء والتصدية صلاته فلا صلاة له، كما تقول العرب، ما لفلان عيب إلا السخاء. يريد من كان السخاء عيبه فلا عيب له.
ثم قال تعالى: * (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) * أي عذاب السيف يوم بدر، وقيل: يقال لهم في الآخرة: * (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) *.
* (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون * ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله فى جهنم أولئك هم الخاسرون) *.
اعلم أنه تعالى لما شرح أحوال هؤلاء الكفار في الطاعات البدنية، أتبعها بشرح أحوالهم في الطاعات المالية. قال مقاتل والكلبي: نزلت في المطعمين يوم بدر، وكانوا اثني عشر رجلا من كبار قريش. وقال سعيد بن جبير ومجاهد: نزلت في أبي سفيان وإنفاقه المال على حرب محمد يوم أحد، وكان قد استأجر ألفين من الأحابيش سوى من استجاش من العرب، وأنفق عليهم