اللساني في الخيال، ثم يصعد من ذلك الأثر الخيالي مزيد أنوار وجلايا إلى جوهر الروح، ثم تنعكس من تلك الإشراقات الروحانية آثار زائدة إلى اللسان ومنه إلى الخيال، ثم مرة أخرى إلى العقل، ولا يزال تنعكس هذه الأنوار من هذه المرايا بعضها إلى بعض، ويتقوى بعضها بعض ويستكمل بعضها ببعض، ولما كان لا نهاية لتزايد أنوار المراتب، لا جرم لا نهاية لسفر العارفين في هذه المقامات العالية القدسية وذلك بحر لا ساحل له، ومطلوب لا نهاية له.
واعلم أن قوله تعالى: * (واذكر ربك في نفسك) * وإن كان ظاهره خطابا مع النبي عليه السلام، إلا أنه عام في حق كل المكلفين ولكل أحد درجة مخصوصة ومرتبة معينة بحسب استعداد جوهر نفسه الناطقة كما قال في صفة الملائكة: * (وما منا إلا له مقام معلوم) * (الصافات: 164).
* (إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لما رغب الله رسوله في الذكر وفي المواظبة عليه ذكر عقيبه ما يقوي دواعيه في ذلك فقال: * (إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته) * والمعنى: أن الملائكة مع نهاية شرفهم وغاية طهارتهم وعصمتهم وبراءتهم عن بواعث الشهوة والغضب، وحوادث الحقد والحسد، لما كانوا مواظبين على العبودية والسجود والخضوع والخشوع، فالإنسان مع كونه مبتلى بظلمات عالم الجسمانيات ومستعدا للذات البشرية والبواعث الإنسانية أولى بالمواظبة على الطاعة، ولهذا السبب قال عيسى عليه السلام: * (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا) * (مرين: 31) وقال لمحمد عليه السلام: * (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) * (الحجر:
99).
المسألة الثانية: المشبهة تمسكوا بقوله: * (إن الذين عند ربك) * وقالوا لفظ * (عند) * مشعر بالمكان والجهة.
وجوابه أنا ذكرنا البراهين الكثيرة العقلية والنقلية في هذه السورة عند تفسير قوله: * (ثم استوى على العرش) * (الأعراف: 54 يونس: 3) على أنه يمتنع كونه تعالى حاصلا في المكان والجهة.
وإذا ثبت هذا فنقول: وجب المصير إلى التأويل في هذه الآية وبيانه من وجوه: