قال الواحدي، عامة ما جاء في التنزيل مما يحمد ويستحب أمددت على أفعلت، كقوله: * (إنما نمدهم به من مال وبنين) * (المؤمنون: 55) * (وأمددناهم بفاكهة) * (الطور: 22) وقوله: * (أتمدونن بمال) * (النمل: 36) وما كان بخلافه فإنه يجيء على مددت قال: * (ويمدهم في طغيانهم يعمهون) * (البقرة: 15) قراءة العامة وهي فتح الياء ومن ضم الياء استعمل ما هو الخير لضده كقوله: * (فبشرهم بعذاب أليم) * (الإنشقاق: 24) وقوله: * (ثم لا يقصرون) * (الأعراف: 202) قال الليث: الإقصار الكف عن الشيء قال أبو زيد: أقصر فلان عن الشر يقصر إقصارا إذا كف عنه وانتهى قال ابن عباس: ثم لا يقصرون عن الضلال والإضلال، أما الغاوي ففي الضلال وأما المغوي ففي الإضلال.
* (وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنمآ أتبع ما يوحى إلى من ربى هذا بصآئر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) *.
اعلم أنه تعالى: لما بين في الآية الأولى أن شياطين الجن والأنس لا يقصرون في الإغواء والإضلال بين في هذه الآية نوعا من أنواع الإغواء والإضلال وهو أنهم كانوا يطلبون آيات معينة ومعجزات مخصوصة على سبيل التعنت كقوله: * (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) * (الإسراء: 90) ثم أعاد: أنه عليه الصلاة والسلام ما كان يأتيهم، فعند ذلك قالوا: * (لولا اجتبيتها) * قال الفراء: تقول العرب اجتبيت الكلام واختلقته وارتجلته إذا افتعلته من قبل نفسك، والمعنى لولا تقولتها وافتعلتها وجئت بها من عند نفسك لأنهم كانوا يقولون: * (إن هذا إلا إفك مفتري) * (سبأ: 43) أو يقال هلا اقترحتها على إلهك ومعبودك إن كنت صادقا في أن الله يقبل دعاءك ويجيب التماسك وعند هذا أمر رسوله أن يذكر الجواب الشافي، وهو قوله: * (قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي) * ومعناه ليس لي أن أقترح على ربي في أمر من الأمور، وإنما أنتظر الوحي فكل شيء أكرمني به قلته، وإلا فالواجب السكوت وترك الاقتراح، ثم بين أن عدم الإتيان بتلك المعجزات التي اقترحها لا يقدح في الغرض، لأن ظهور القرآن على وفق دعواه معجزة بالغة باهرة، فإذا ظهرت هذه المعجزة الواحدة كانت كافية في تصحيح النبوة، فكان طلب الزيادة من باب التعنت، فذكر في وصف القرآن ألفاظا ثلاثة: أولها: قوله: * (هذا بصائر من ربكم) * أصل البصيرة الأبصار، ولما كان القرآن سببا لبصائر العقول في دلائل التوحيد والنبوة والمعاد، أطلق عليه لفظ البصيرة، تسمية للسبب باسم المسبب. وثانيها: قوله: * (وهدى) * والفرق بين هذه المرتبة وما قبلها أن الناس في معارف