وما ذاك إلا أنهم اعتمدوا على دينهم. وقيل المراد: إن هؤلاء يسعون في قتل أنفسهم، رجاء أن يجعلوا أحياء بعد الموت ويثابون على هذا القتل.
ثم قال تعالى: * (ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم) * أي ومن يسلم أمره إلى الله ويثق بفضله ويعول على إحسان الله، فإن الله حافظه وناصره، لأنه عزيز لا يغلبه شيء، حكيم يوصل العذاب إلى أعدائه، والرحمة والثواب إلى أوليائه:
* (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق * ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد) *.
اعلم أنه تعالى لما شرح أحوال هؤلاء الكفار شرح أحوال موتهم، والعذاب الذي يصل إليهم في ذلك الوقت، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قرأ ابن عامر وحده * (إذ تتوفى) * بالتاء على تأنيث لفظ الملائكة والجمع، والباقون بالياء على المعنى.
المسألة الثانية: جواب * (لو) * محذوف. والتقدير: لرأيت منظرا هائلا، وأمرا فظيعا، وعذابا شديدا.
المسألة الثالثة: * (ولو ترى) * ولو عاينت وشاهدت، لأن لو ترد المضارع إلى الماضي كما ترد إن الماضي إلى المضارع.
المسألة الرابعة: الملائكة رفعها بالفعل، ويضربون حال منهم، ويجوز أن يكون في قوله: * (يتوفى) * ضمير لله تعالى، والملائكة مرفوعة بالابتداء، ويضربون خبر.
المسألة الخامسة: قال الواحدي: معنى يتوفى الذين كفروا يقبضون أرواحهم على استيفائها وهذا يدل على أن الإنسان شيء مغاير لهذا الجسد، وأنه هو الروح فقط؛ لأن قوله: * (يتوفى الذين كفروا) * يدل على أنه استوفى الذات الكافرة، وذلك يدل على أن الذات الكافرة هي التي استوفيت