وأما القسم الثاني: فيدخل فيه ما يجب على الإنسان علما وعملا أما العلم فالمعرفة، وأما العمل فالإقرار باللسان والعمل بالأركان ويدخل فيها الصلاة وإلى هذا المجموع الإشارة بقوله: * (والذين هم بآياتنا يؤمنون) * ونظيره قوله تعالى في أول سورة البقرة: * (هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) * (البقرة: 2، 3).
* (الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التى كانت عليهم فالذين ءامنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذى أنزل معه أولئك هم المفلحون) *.
اعلم أنه تعالى لما بين أن من صفة من تكتب له الرحمة في الدنيا والآخرة التقوى وإيتاء الزكاة والإيمان بالآيات، ضم إلى ذلك أن يكون من صفته اتباع * (النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل) * واختلفوا في ذلك فقال بعضهم: المراد بذلك أن يتبعوه باعتقاد نبوته من حيث وجدوا صفته في التوراة، إذ لا يجوز أن يتبعوه في شرائعه قبل أن يبعث إلى الخلق، وقال في قوله: * (والإنجيل) * أن المراد سيجدونه مكتوبا في الإنجيل، لأن من المحال أن يجدوه فيه قبل ما أنزل الله الإنجيل، وقال بعضهم: بل المراد من لحق من بني إسرائيل أيام الرسول فبين تعالى أن هؤلاء اللاحقين لا يكتب لهم رحمة الآخرة إلا إذا اتبعوا الرسول النبي الأمي. والقول الثاني أقرب، لأن اتباعه قبل أن بعث ووجد لا يمكن. فكأنه تعالى بين بهذه الآية أن هذه الرحمة لا يفوز بها من بني إسرائيل إلا من اتقى وآتى الزكاة وآمن بالدلائل في زمن موسى، ومن هذه صفته في أيام الرسول إذا كان مع ذلك متبعا للنبي الأمي في شرائعه.
إذا عرفت هذا فنقول: إنه تعالى وصف محمدا صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بصفات تسع.