وأما الاعتقاد الثاني والثالث: وهو اعتقاده في نفسه كونه قادرا، وكون المغضوب عليه عاجزا، فهذان الاعتقادان أيضا فاسدان من وجوه: أحدها: أنه يعتقد أنه كم أساء في العمل، والله كان قادرا عليه، وهو كان أسيرا في قبضة قدرة الله تعالى، ثم إنه تجاوز عنه. وثانيها: أن المغضوب عليه كما أنه عاجز في يد الغضبان، فكذلك الغضبان عاجز بالنسبة إلى قدرة الله. وثالثها: أن يتذكر الغضبان ما أمره الله به من ترك إمضاء الغضب والرجوع إلى ترك الإيذاء والإيحاش. ورابعها: أن يتذكر أنه إذا أمضى الغضب وانتقم كان شريكا للسباع المؤذية والحياة القاتلة، وإن ترك الانتقام واختار العفو كان شريكا لأكابر الأنبياء والأولياء. وخامسها: أن يتذكر أنه ربما انقلب ذلك الضعيف قويا قادرا عليه، فحينئذ ينتقم منه على أسوأ الوجوه، أما إذا عفا كان ذلك إحسانا منه إليه، وبالجملة فالمراد من قوله تعالى: * (إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا) * ما ذكرناه من الاعتقادات الثلاثة، والمراد من قوله: * (تذكروا) * ما ذكرناه من الوجوه التي تفيد ضعف تلك الاعتقادات وقوله: * (فإذا هم مبصرون) * معناه أنه إذا حضرت هذه التذكرات في عقولهم، ففي الحال يزول مس طائف الشيطان، ويحصل الاستبصار والانكشاف والتجلي ويحصل الخلاص من وسوسة الشيطان.
المسألة الرابعة: قوله: * (فإذا هم مبصرون) * معنى * (إذا) * ههنا للمفاجأة، كقولك خرجت فإذا زيد وإذا في قوله: * (إذا مسهم) * يستدعي جزاء، كقولك آتيك إذا احمر البسر.
أما قوله تعالى: * (وإخوانهم يمدونهم في الغي) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا في أن الكناية في قوله: * (وإخوانهم) * إلى ماذا تعود على قولين.
القول الأول: وهو الأظهر أن المعنى: وإخوان الشياطين يمدون الشياطين في الغي، وذلك لأن شياطين الأنس إخوان لشياطين الجن، فشياطين الإنس يغوون الناس، فيكون ذلك إمدادا منهم لشياطين الجن على الإغواء والإضلال.
والقول الثاني: أن إخوان الشياطين هم الناس الذين ليسوا بمتقين، فإن الشياطين يكونون مددا لهم فيه، والقولان مبنيان على أن لكل كافر أخا من الشياطين.
المسألة الثانية: تفسير الإمداد تقوية تلك الوسوسة والإقامة عليها وشغل النفس عن الوقوف على قبائحها ومعايبها.
المسألة الثالثة: قرأ نافع * (يمدونهم) * (بضم الياء وكسر الميم من الإمداد، والباقون * (يمدونهم) * بفتح الياء وضم الميم، وهما لغتان مد يمد وأمد يمد، وقيل مد معناه جذب، وأمد معناه من الإمداد.