أربعين أوقية والأوقية اثنان وأربعون مثقالا، هكذا قاله صاحب " الكشاف ". ثم بين تعالى أنهم إنما ينفقون هذا المال ليصدوا عن سبيل الله، أي كان غرضهم في الإنفاق الصد عن اتباع محمد وهو سبيل الله، وإن لم يكن عندهم كذلك.
ثم قال: * (فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة) * يعني: أنه سيقع هذا الإنفاق ويكون عاقبته الحسرة، لأنه يذهب المال ولا يحصل المقصود، بل يصيرون مغلوبين في آخر الأمر كما قال تعالى: * (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي) * (المجادلة: 21) وقوله: * (والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) * ففيه بحثان:
البحث الأول: أنه لم يقل: وإلى جهنم يحشرون، لأنه كان فيهم من أسلم، بل ذكر أن الذين بقوا على الكفر يكونون كذلك.
البحث الثاني: أن ظاهر قوله: * (إلى جهنم يحشرون) * يفيد أنه لا يكون حشرهم إلا إلى جهنم، لأن تقديم الخبر يفيد الحصر.
واعلم أن المقصود من هذا الكلام أنهم لا يستفيدون من بذلهم أموالهم في تلك الانفاقات إلا الحسرة والخيبة في الدنيا، والعذاب الشديد في الآخرة، وذلك يوجب الزجر العظيم عن ذلك الإنفاق، ثم قال: * (ليميز الله الخبيث من الطيب) * وفيه قولان:
القول الأول: ليميز الله الفريق الخبيث من الكفار من الفريق الطيب من المؤمنين فيجعل الفريق الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا وهو عبارة عن الجمع والضم حتى يتراكموا كقوله تعالى: * (كادوا يكونون عليه لبدا) * (الجن: 19) يعني لفرط ازدحامهم فقوله: * (أولئك) * إشارة إلى الفريق الخبيث.
والقول الثاني: المراد بالخبيث نفقة الكافر على عداوة محمد، وبالطيب نفقة المؤمن في جهاد الكفار، كإنفاق أبي بكر وعثمان في نصرة الرسول عليه الصلاة والسلام فيضم تعالى تلك الأمور الخبيثة بعضها إلى بعض فيلقيها في جهنم ويعذبهم بها كقوله تعالى: * (فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم) * (التوبة: 35) واللام في قوله: * (ليميز الله الخبيث) * على القول الأول متعلق بقوله: * (يحشرون) * والمعنى أنهم يحشرون ليميز الله الفريق الخبيث من الفريق الطيب، وعلى القول الثاني متعلق بقوله: * (ثم تكون عليهم حسرة) * ثم قال: * (أولئك هم الخاسرون) * وهو إشارة إلى الذين كفروا.
* (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الاولين) *.