أما قوله: * (وبلوناهم بالحسنات والسيئات) * أي عاملناهم معاملة المبتلى المختبر بالحسنات، وهي النعم والخصب والعافية، والسيئات هي الجدب والشدائد، قال أهل المعاني: وكل واحد من الحسنات والسيئات يدعو إلى الطاعة، أما النعم فلأجل الترغيب، وأما النقم فلأجل الترهيب. وقوله: * (يرجعون) * يريد كي يتوبوا.
* (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الادنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الاخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون * والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلوة إنا لا نضيع أجر المصلحين) *.
اعلم أن قوله: * (فخلف من بعدهم خلف) * ظاهره أن الأول ممدوح. والثاني مذموم، وإذا كان كذلك، فيجب أن يكون المراد: فخلف من بعد الصالحين منهم الذين تقدم ذكرهم خلف. قال الزجاج: الخلف ما أخلف عليك مما أخذ منك، فلهذا السبب يقال للقرن الذي يجيء في إثر قرن خلف، ويقال فيه أيضا خلف، وقال أحمد بن يحيى: الناس كلهم يقولون خلف صدق وخلف سوء، وخلف للسوء لا غير. وحاصل الكلام: أن من أهل العربية من قال الخلف والخلف قد يذكر في الصالح وفي الردئ، ومنهم من يقول الخلف مخصوص بالذم قال لبيد. وبقيت في خلف كجلد الأجرب.
ومنهم من يقول: الخلف المستعمل في الذم مأخوذ من الخلف، وهو الفساد، يقال للردئ من القول خلف، ومنه المثل المشهور سكت ألفا ونطق خلفا، وخلف الشيء يخلف خلوفا وخلفا إذا فسد