وأما الثامن: وهو الفرق بين قوله: * (يظلمون) * وبين قوله: * (يفسقون) * فذلك لأنهم موصوفون بكونهم ظالمين، لأجل أنهم ظلموا أنفسهم، وبكونهم فاسقين، لأجل أنهم خرجوا عن طاعة الله تعالى، فالفائدة في ذكر هذين الوصفين التنبيه على حصول هذين الأمرين، فهذا ما خطر بالبال في ذكر فوائد هذه الألفاظ المختلفة، وتمام العلم بها عند الله تعالى.
* (واسئلهم عن القرية التى كانت حاضرة البحر إذ يعدون فى السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون) *.
اعلم أن هذه القصة أيضا مذكورة في سورة البقرة. وفيها مسائل:
المسألة الأولى: قوله تعالى: * (واسألهم) * المقصود تعرف هذه القصة من قبلهم، لأن هذه القصة قد صارت معلومة للرسول من قبل الله تعالى، وإنما المقصود من ذكر هذا السؤال أحد أشياء: الأول: أن المقصود من ذكر هذا السؤال تقرير أنهم كانوا قد أقدموا على هذا الذنب القبيح والمعصية الفاحشة تنبيها لهم على أن إصرارهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم وبمعجزاته ليس شيئا حدث في هذا الزمان، بل هذا الكفر والإصرار كان حاصلا في أسلافهم من الزمان القديم.
والفائدة الثانية: أن الإنسان قد يقول لغيره هل هذا الأمر كذا وكذا؟ ليعرف بذلك أنه محيط بتلك الواقعة، وغير ذاهل عن دقائقها، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم رجلا أميا لم يتعلم علما، ولم يطالع كتابا، ثم أنه يذكر هذه القصص على وجهها من غير تفاوت ولا زيادة ولا نقصان، كان ذلك جاريا مجرى المعجز. المسألة الثانية: الأكثرون على أن تلك القرية أيلة. وقيل: مدين. وقيل طبرية، والعرب تسمى المدينة قرية، وعن أبي عمرو بن العلاء ما رأيت قرويين أفصح من الحسن والحجاج يعني رجلين من أهل المدن، وقوله: * (كانت حاضرة البحر) * يعني قريبة من البحر وبقربه وعلى شاطئه والحضور نقيض الغيبة كقوله تعالى: * (ذلك لمن يكن أهله حاضري المسجد الحرام) * (البقرة: 196) وقوله: * (إذ يعدون