يكون حصول الهداية والعلم بتخليق العبد، وأما الكلام في إبطال تلك التأويلات فقد سبق ذكره في هذا الكتاب غير مرة. والله أعلم.
ثم حكى تعالى عن موسى عليه السلام أنه قال بعد ذلك: * (أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين) * واعلم أن قوله: * (أنت ولينا) * يفيد الحصر، ومعناه أنه لا ولي لنا ولا ناصر ولا هادي إلا أنت، وهذا من تمام ما سبق ذكره من قوله: * (تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء) * وقوله: * (فاغفر لنا وارحمنا) * المراد منه أن إقدامه على قوله: * (إن هي إلا فتنتك) * جراءة عظيمة، فطلب من الله غفرانها والتجاوز عنها وقوله: * (وأنت خير الغافرين) * معناه أن كل من سواك فإنما يتجاوز عن الذنب إما طلبا للثناء الجميل أو للثواب الجزيل، أو دفعا للربقة الخسيسة عن القلب، وبالجملة فذلك الغفران يكون لطلب نفع أو لدفع ضرر، أما أنت فتغفر ذنوب عبادك لا لطلب عوض وغرض، بل لمحض الفضل والكرم، فوجب القطع بكونه * (خير الغافرين) * والله أعلم.
* (واكتب لنا فى هذه الدنيا حسنة وفي الاخرة إنا هدنآ إليك قال عذابى أصيب به من أشآء ورحمتى وسعت كل شىء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكوة والذين هم بآياتنا يؤمنون) *.
اعلم أن هذا من بقية دعاء موسى صلى الله عليه وسلم عند مشاهدة الرجفة. فقوله: * (واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة) * معناه أنه قرر أولا أنه الأولى له إلا الله تعالى وهو قوله: * (أنت ولينا) * ثم إن المتوقع من الولي والناصر أمران: أحدهما: دفع الضرر. والثاني: تحصيل النفع، ودفع الضرر مقدم على تحصيل النفع، فلهذا السبب بدأ بطلب دفع الضرر، وهو قوله: * (فاغفر لنا وارحمنا) * ثم أتبعه بطلب تحصيل النفع وهو قوله: * (واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة) * وقوله: * (واكتب) * أي وجب لنا والكتابة تذكر بمعنى الإيجاب وسؤاله الحسنة في الدنيا والآخرة كسؤال المؤمنين من هذه الأمة حيث أخبر الله تعالى عنهم في قوله: * (ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) *.