إلى الكتاب الثاني. قال ابن عباس: لما ألقى موسى عليه السلام الألواح تكسرت فصام أربعين يوما، فأعاد الله تعالى الألواح وفيها عين ما في الأولى، فعلى هذا قوله: * (وفي نسختها) * أي وفيما نسخ منها. وأما إن قلنا إن الألواح لم تتكسر وأخذها موسى بأعيانها بعد ما ألقاها، ولا شك أنها كانت مكتوبة من اللوح المحفوظ فهي أيضا تكون نسخا على هذا التقدير وقوله: * (هدى ورحمة) * أي * (هدى) * من الضلالة * (ورحمة) * من العذاب * (للذين هم لربهم يرهبون) * يريد الخائفين من ربهم.
فإن قيل: التقدير للذين يرهبون ربهم فما الفائدة في اللام في قوله: * (لربهم) *.
قلنا فيه وجوه: الأول: أن تأخير الفعل عن مفعوله يكسبه ضعفا فدخلت اللام للتقوية، ونظيره قوله: * (للرؤيا تعبرون) * (يوسف: 43) الثاني: أنها لام الأجل والمعنى: للذين هم لأجل ربهم يرهبون لا رياء ولا سمعة. الثالث: أنه قد يزاد حرف الجر في المفعول، وإن كان الفعل متعديا كقولك قرأت في السورة وقرأت السورة، وألقى يده وألقى بيده، وفي القرآن * (ألم يعلم بأن الله يرى) * (العلق: 14) وفي موضع آخر * (ويعلمون أن الله) * فعلى هذا قوله * (لربهم) * اللام صلة وتأكيد كقوله: * (ردف لكم) * وقد ذكرنا مثل هذا في قوله: * (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم) * (آل عمران: 73).
* (واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياى أتهلكنا بما فعل السفهآء منآ إن هى إلا فتنتك تضل بها من تشآء وتهدى من تشآء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين) *.
في هذه الآية مسائل:
المسألة الأولى: الاختيار: افتعال من لفظ الخير يقال: اختار الشيء إذا أخذ خيره وخياره، وأصل اختار: اختير، فلما تحركت الياء وقبلها فتحة قلبت ألفا نحو قال وباع، ولهذا السبب استوى لفظ الفاعل والمفعول فقيل فيهما، مختار، والأصل مختير ومختير فقلبت الياء فيهما ألفا فاستويا في 1