ثم قال لهم: * (ألست بربكم قالوا بلى) * فقال للبيض هؤلاء في الجنة برحمتي وهم أصحاب اليمين، وقال للسود هؤلاء في النار ولا أبالي وهم أصحاب الشمال وأصحاب المشأمة ثم أعادهم جميعا في صلب آدم، فأهل القبول محبوسون حتى يخرج أهل الميثاق كلهم من أصلاب الرجال، وأرحام النساء. وقال تعالى فيمن نقض العهد الأول * (وما وجدنا لأكثرهم من عهد) * (الأعراف: 102) وهذا القول قد ذهب إليه كثير من قدماء المفسرين كسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والضحاك، وعكرة، والكلبي، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه أبصر آدم في ذريته قوما لهم نور. فقال يا رب من هم؟ فقال الأنبياء، ورأي واحدا هو أشدهم نورا فقال من هو؟ قال داود، قال فكم عمره قال سبعون سنة قال آدم: هو قليل قد وهبته من عمري أربعين سنة، وكان عمر آدم ألف سنة، فلما تم عمر آدم تسعمائة وستين سنة أتاه ملك الموت ليقبض روحه، فقال بقي من أجلي أربعون سنة، فقال: ألست قد وهبته من ابنك داود؟ فقال ما كنت لأجعل لأحد من أجلي شيئا، فعند ذلك كتب لكل نفس أجلها. أما المعتزلة: فقد أطبقوا على أنه لا يجوز تفسير هذه الآية بهذا الوجه. واحتجوا على فساد هذا القول بوجوه.
الحجة الأولى: لهم قالوا: قوله: * (من بني آدم من ظهورهم) * لا شك أن قوله: * (من ظهورهم) * يدل من قوله: * (بني آدم) * فيكون المعنى: وإذ أخذ ربك من ظهور بني آدم. وعلى هذا التقدير: فلم يذكر الله تعالى أنه أخذ من ظهر آدم شيئا.
الحجة الثانية: أنه لو كان المرا أنه تعالى أخرج من ظهر آدم شيئا من الذرية لما قال: * (من ظهورهم) * بل كان يجب أن يقول: من ظهره، لأن آدم ليس له إلا ظهر واحد، وكذلك قوله: * (ذريتهم) * لو كان آدم لقال ذريته.
الحجة الثالثة: أنه تعالى حكى عن أولئك الذرية أنهم قالوا: * (إنما أشرك آباؤنا من قبل) * وهذا الكلام يليق بأولاد آدم، لأنه عليه السلام ما كان مشركا.
الحجة الرابعة: أن أخذ الميثاق لا يمكن إلا من العاقل، فلو أخذ الله الميثاق من أولئك الذر لكانوا عقلاء، ولو كانوا عقلاء وأعطوا ذلك الميثاق حال عقلهم لوجب أن يتذكروا في هذا الوقت أنهم أعطوا الميثاق قبل دخولهم في هذا العالم؛ لأن الإنسان إذا وقعت له واقعة عظيمة مهيبة فإنه لا يجوز مع كونه عاقلا أن ينساها نسيانا كليا لا يتذكر منها شيئا لا بالقليل ولا بالكثير، وبهذا الدليل يبطل القول بالتناسخ. فإنا نقول لو كانت أرواحنا قد حصلت قبل هذه الأجساد في أجساد أخرى لوجب أن نتذكر الآن أنا كنا قبل هذا الجسد في جسد آخر، وحيث لم نتذكر ذلك كان القول