وكذلك الفم إذا تغيرت رائحته. وقوله: * (يأخذون عرض هذا الأدنى) * قال أبو عبيدة جميع متاع الدنيا عرض بفتح الراء، يقال الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر، وأما العرض بسكون الراء فما خالف العين، أعني الدراهم والدنانير وجمعه عروض، فكان كل عرض عرضا وليس كل عرض عرضا، والمراد بقوله: * (عرض هذا الأدنى) * أي حطام هذا الشيء الأدنى يريد الدنيا وما يتمتع به منها، وفي قوله: * (هذا الأدنى) * تخسيس وتحقير، و * (الأدنى) * إما من الدنو بمعنى القرب لأنه عاجل قريب، وإما من دنو الحال وسقوطها وقلتها. والمراد ما كانوا يأخذونه من الرشا في الأحكام على تحريف الكلام. ثم حكى تعالى عنهم أنهم يستحقرون ذلك الذنب ويقولون سيغفر لنا.
ثم قال: * (وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه) * والمراد الأخبار عن إصرارهم على الذنوب. وقال الحسن هذا إخبار عن حرصهم على الدنيا وأنهم لا يستمتعون منها. ثم بين تعالى قبح فعلهم فقال: * (ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب) * أي التوراة * (أن لا يقولوا على الله إلا الحق) * قيل المراد منعهم عن تحريف الكتاب وتغيير الشرائع لأجل أخذ الرشوة، وقيل: المراد أنهم قالوا سيغفر لنا هذا الذنب مع الإصرار، وذلك قول باطل.
فإن قيل: فهذا القول يدل على أن حكم التوراة هو أن صاحب الكبيرة لا يغفر له.
قلنا: أنهم كانوا يقطعون بأن هذه الكبيرة مغفورة، ونحن لا نقطع بالغفران بل نرجو الغفران، ونقول: إن بتقدير أن يعذب الله عليها فذلك العذاب منقطع غير دائم.
ثم قال تعالى: * (ودرسوا ما فيه) * أي فهم ذاكرون لما أخذ عليهم لأنهم قد قرؤه ودرسوه.
ثم قال: * (والدار الآخرة خير للذين يتقون) * من تلك الرشوة الخبيثة المحقرة * (أفلا يعقلون) *.
أما قوله تعالى: * (والذين يمسكون بالكتاب) * يقال مسكت بالشيء وتمسكت به واستمسكت به وامتسكت به، وقرأ أبو بكر عن عاصم * (يمسكون) * مخففة والباقون بالتشديد. أما حجة عاصم فقوله تعالى: * (فإمساك بمعروف) * (البقرة: 229) وقوله: * (أمسك عليك زوجك) * (الأحزاب: 37) وقوله: * (فكلوا مما أمسكن عليكم) * (المائدة: 4) قال الواحدي: والتشديد أقوى، لأن التشديد للكثرة وههنا أريد به الكثرة، ولأنه يقال: أمسكته، وقلما يقال أمسكت به.
إذا عرفت هذا فنقول: في قوله: * (والذين يمسكون بالكتاب) * قولان:
القول الأول: أن يكون مرفوعا بالابتداء وخبره * (إنا لا نضيع أجر المصلحين) * والمعنى: إنا لا نضيع أجرهم وهو كقوله: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا) * (الكهف: 30) وهذا الوجه حسن لأنه لما ذكر وعيد من ترك التمسك بالكتاب أردفه بوعد من تمسك به.
والقول الثاني: أن يكون مجرورا عطفا على قوله: * (الذين يتقون) * ويكون قوله: * (إنا لا نضيع) *