الحال كثير السلاح، فكما يخافه أعداؤه من الكفار، فكذلك يخافه كل من يعاديه مسلما كان أو كافرا.
ثم إنه تعالى قال: * (وما تنفقوا من شيء في سبيل الله) * وهو عام في الجهاد وفي سائر وجوه الخيرات * (يوف إليكم) * قال ابن عباس: يوف لكم أجره، أي لا يضيع في الآخرة أجره، ويعجل الله عوضه في الدنيا * (وأنتم لا تظلمون) * أي لا تنقصون من الثواب، ولما ذكر ابن عباس هذا التفسير تلا قوله تعالى: * (آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا) * (الكهف: 33).
* (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم) *.
واعلم أنه لما بين ما يرهب به العدو من القوة والاستظهار، بين بعده أنهم عند الإرهاب إذا جنحوا أي مالوا إلى الصلح، فالحكم قبول الصلح. قال النضر: جنح الرجل إلى فلان، وأجنح له إذا تابعه وخضع له، والمعنى: إن مالوا إلى الصلح فمل إليه وأنث الهاء في لها، لأنه قصد بها قصد الفعلة والجنحة كقوله: * (إن ربك من بعدها لغفور رحيم) * أراد من بعد فعلتهم. قال صاحب " الكشاف ": السلم تؤنث تأنيث نقيضها وهي الحرب. قال الشاعر:
السلم تأخذ منها ما رضيت به * والحرب تكفيك من أنفاسها جرع وقرأ أبو بكر عن عاصم للسلم بكسر السين، والباقون بالفتح وهما لغتان. قال قتادة هذه الآية منسوخة بقوله: * (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * (التوبة: 5) وقوله: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله) * (التوبة: 29) وقال بعضهم الآية غير منسوخة لكنها تضمنت الأمر بالصلح إذا كان الصلاح فيه، فإذا رأى مصالحتهم فلا يجوز أن يهادنهم سنة كاملة، وإن كانت القوة للمشركين جاز مهادنتهم للمسلمين عشر سنين ولا يجوز الزيادة عليها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه هادن أهل مكة عشر سنين، ثم إنهم نقضوا العهد قبل كمال المدة.
أما قوله تعالى: * (وتوكل على الله) * فالمعنى فوض الأمر فيما عقدته معهم إلى الله ليكون عونا لك على السلامة، ولكي ينصرك عليهم إذا نقضوا العهد وعدلوا عن الوفاء، ولذلك قال: * (إنه هو السميع العليم) * تنبيها بذلك على الزجر عن نقض الصلح، لأنه عالم بما يضمره العباد، وسامع لما