من خرج، فقعد كالب ويوشع. وروى أنه لم يجد إلا ستين شيخا، فأوحى الله إليه أن يختار من الشبان عشرة فاختارهم فأصبحوا شيوخا فأمرهم أن يصوموا ويتطهروا، ويطهروا ثيابهم ثم خرج بهم إلى الميقات.
المسألة الرابعة: هذا الاختيار هل هو للخروج إلى الميقات الذي كلم الله تعالى موسى فيه وسأل موسى من الله الرؤية أو هو للخروج إلى موضع آخر؟ فيه أقوال للمفسرين:
القول الأول: إنه لميقات الكلام والرؤية قالوا: إنه عليه السلام خرج بهؤلاء السبعين إلى طور سيناء، فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود من الغمام، حتى أحاط بالجبل كله ودنا موسى عليه السلام. ودخل فيه، وقال للقوم: ادنوا، فدنوا، حتى إذا دخلوا الغمام وقعوا سجدا، فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه افعل ولا تفعل. ثم انكشف الغمام فأقبلوا إليه فطلبوا الرؤية وقالوا * (يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة) * (البقرة: 55) وهي المراد من الرجفة المذكورة في هذه الآية، فقال موسى عليه السلام: * (رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) * فالمراد منه قولهم: * (أرنا الله جهرة) *.
والقول الثاني: أن المراد من هذا الميقات ميقات مغاير لميقات الكلام وطلب الرؤية، وعلى هذا القول فقد اختلفوا فيه على وجوه: أحدها: أن هؤلاء السبعين وإن كانوا ما عبدوا العجل إلا أنهم ما فارقوا عبدة العجل عند اشتغالهم بعبادة العجل. وثانيها: أنهم ما بالغوا في النهي عن عبادة العجل. وثالثها: أنهم لما خرجوا إلى الميقات ليتوبوا دعوا ربهم وقالوا أعطنا ما لم تعطه أحدا قبلنا، ولا تعطيه أحدا بعدها، فأنكر الله تعالى عليهم ذلك الكلام فأخذتهم الرجفة. واحتج القائلون بهذا القول على صحة مذهبهم بأمور: الأول: أنه تعالى ذكر قصة ميقات الكلام وطلب الرؤية ثم أتبعها بذكر قصة العجل ثم أتبعها بهذه القصة، وظاهر الحال يقتضي أن تكون هذه القصة مغايرة للقصة المتقدمة التي لا ينكر أنه يمكن أن يكون هذا عودا إلى تتمة الكلام في القصة الأولى إلا أن الأليق بالفصاحة إتمام الكلام في القصة الواحدة في وضع واحد. ثم الانتقال منها بعد تمامها إلى غيرها، فأما ما ذكر بعض القصة، ثم الانتقال منها إلى قصة أخرى، ثم الانتقال منها بعد تمامها إلى بقية الكلام في القصة الأولى، فإنه يوجب نوعا من الخبط والاضطراب، والأولى صون كلام الله تعالى عنه. الثاني: أن في ميقات الكلام وطلب الرؤية لم يظهر هناك منكر، إلا أنهم * (قالوا أرنا الله جهرة) * فلو كانت الرجفة المذكورة في هذه الآية إنما حصلت بسبب ذلك القول لوجب أن يقال: أتهلكنا بما يقوله السفهاء منا؟ فلما لم يقل موسى كذلك بل قال: * (أتهلكنا بما