إذا ثبت هذا فنقول: قوله: * (يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) * من الناس من قال إنه عام دخله التخصيص ومنهم من أنكر ذلك، أما الأولون فقالوا: إنه دخله التخصيص من وجهين: الأول: أنه رسول إلى الناس إذا كانوا من جملة المكلفين فأما إذا لم يكونوا من جملة المكلفين لم يكن رسولا إليهم، وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام قال: " رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق " والثاني: أنه رسول الله إلى كل من وصل إليه خبر وجوده وخبر معجزاته وشرائعه، حتى يمكنه عند ذلك متابعته، أما لو قدرنا حصول قوم في طرف من أطراف العالم لم يبلغهم خبر وجوده ولا خبر معجزاته، فهم لا يكونون مكلفين بالإقرار بنبوته ومن الناس من أنكر القول بدخول التخصيص في الآية من هذين الوجهين:
أما الأول: فتقريره أن قوله: * (يا أيها الناس) * خطاب وهذا الخطاب لا يتناول إلا المكلفين وإذا كان كذلك فالناس الذين دخلوا تحت قوله: * (يا أيها الناس) * ليسوا إلا المكلفين من الناس، وعلى هذا التقدير فلم يلزم أن يقال: إن قوله: * (يا أيها الناس) * عام دخله التخصيص.
وأما الثاني: فلأنه يبعد جدا أن يقال: حصل في طرف من أطراف الأرض قوم لم يبلغهم خبر ظهور محمد عليه الصلاة والسلام، وخبر معجزاته وشرائعه، وإذا كان ذلك كالمستبعد لم يكن بنا حاجة إلى التزام هذا التخصيص.
المسألة الثانية: هذه الآية وإن دلت على أن محمدا عليه الصلاة والسلام مبعوث إلى كل الخلق فليس فيها دلالة على أن غيره من الأنبياء عليهم السلام ما كان مبعوثا إلى كل الخلق، بل يجب الرجوع في أنه هل كان في غيره من الأنبياء من كان مبعوثا إلى كل الخلق أم لا؟ إلى سائر الدلائل. فنقول: تمسك جمع من العلماء في أن أحدا غيره ما كان مبعوثا إلى كل الخلق لقوله عليه الصلاة والسلام: " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، أرسلت إلى الأحمر والأسود، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، ونصرت على عدوي بالرعب يرعب مني مسيرة شهر، وأطعمت الغنيمة دون من قبلي. وقيل لي سل تعطه فاختبأتها شفاعة لأمتي ".
ولقائل أن يقول: هذا الخبر لا يتناول دلالته على إثبات هذا المطلوب، لأنه لا يبعد أن يكون المراد مجموع هذه الخمسة من خواص رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يحصل لأحد سواه ولم يلزم من كون هذا المجموع من خواصه كون واحد من آحاد هذا المجموع من خواصه، وأيضا قيل إن آدم عليه السلام كان مبعوثا إلى جميع أولاده، وعلى هذا التقدير فقد كان مبعوثا إلى جميع الناس، وأن نوحا عليه السلام لما خرج من السفينة، كان مبعوثا إلى الذين كانوا معه، مع أن جميع