استفهام بمعنى الجحد، وأراد أنك لا تفعل ذلك. كما تقول: أتهين من يخدمك؟ أي لا تفعل ذلك. الثاني: قال المبرد: هو استفهام استعطاف، أي لا تهلكنا.
وأما قوله: * (إن هي إلا فتنتك) * فقال الواحدي رحمه الله: الكناية في قوله: * (هي) * عائدة إلى الفتنة كما تقول: إن هو إلا زيد وإن هي إلا هند. والمعنى: أن تلك الفتنة التي وقع فيها السفهاء لم تكن إلا فتنتك أضللت بها قوما فافتتنوا، وعصمت قوما عنها فثبتوا على الحق، ثم أكد بيان أن الكل من الله تعالى، فقال: * (تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء) * ثم قال الواحدي: وهذه الآية من الحجج الظاهرة على القدرية التي لا يبقى لهم معها عذر. قالت المعتزلة: لا تعلق للجبرية بهذه الآية لأنه تعالى لم يقل؛ تضل بها من تشاء من عبادك عن الدين، ولأنه تعالى قال: * (تضل بها) * أي بالرجفة، ومعلوم أن الرجفة لا يضل الله بها، فوجب حمل هذه الآية على التأويل. فأما قوله: * (إن هي إلا فتنتك) * فالمعنى: امتحانك وشدة تعبدك، لأنه لما أظهر الرجفة كلفهم بالصبر عليها.
وأما قوله: * (تضل بها من تشاء) * ففيه وجوه: الأول: تهدي بهذا الامتحان إلى الجنة والثواب بشرط أن يؤمن ذلك المكلف ويبقى على الإيمان، وتعاقب من تشاء بشرط أن لا يؤمن، أو إن آمن لكن لا يصبر عليه. والثاني: أن يكون المراد بالإضلال الإهلاك، والتقدير: تهلك من تشاء بهذه الرجفة وتصرفها عمن تشاء. والثالث: أنه لما كان هذا الامتحان كالسبب في هداية من اهتدى، وضلال من ضل، جاز أن يضافا إليه. واعلم أن هذه التأويلات متسعة، والدلائل العقلية دالة على أنه يجب أن يكون المراد ما ذكرناه، وتقريرها من وجوه: الأول: أن القدرة الصالحة للإيمان والكفر لا يترجح تأثيرها في أحد الطرفين على تأثيرها في الطرف الآخر، إلا لأجل داعية مرجحة، وخالق تلك الداعية هو الله تعالى، وعند حصول تلك الداعية يجب الفعل وإذا ثبتت هذه المقدمات ثبت أن الهداية من الله تعالى وأن الإضلال من الله تعالى. الثاني: أن أحدا من العقلاء لا يريد إلا الإيمان والحق والصدق، فلو كان الأمر باختياره وقصده لوجب أن يكون كل واحد مؤمنا محقا، وحيث لم يكن الأمر كذلك ثبت أن الكل من الله تعالى. الثالث: أنه لو كان حصول الهداية والمعرفة بفعل العبد فما لم يتميز عنده الاعتقاد الحق عن الاعتقاد الباطل، امتنع أن يخص أحد الاعتقادين بالتحصيل والتكوين، لكن علمه بأن هذا الاعتقاد هو الحق وأن الآخر هو الباطل، يقتضي كونه عالما بذلك المعتقد أولا كما هو عليه، فيلزم أن تكون القدرة على تحصيل الاعتقاد مشروطة بكون ذلك الاعتقاد الحق حاصلا، وذلك يقتضي كون الشيء مشروطا بنفسه وأنه محال، فثبت أنه يمتنع أن