واعلم أن كونه تعالى وليا للعبد يناسب أن يطلب العبد منه دفع المضار وتحصيل المنافع ليظهر آثار كرمه وفضله وإلهيته، وأيضا اشتغال العبد بالتوبة والخضوع والخشوع يناسب طلب هذه الأشياء، فذكر السبب الأول أولا، وهو كونه تعالى وليا له وفرع عليه طلب هذه الأشياء، ثم ذكر بعده السبب الثاني، وهو اشتغال العبد بالتوبة والخضوع فقال: * (إنا هدنا إليك) * قال المفسرون: * (هدنا) * أي تبنا ورجعنا إليك، قال الليث: " الهود " التوبة، وإنما ذكر هذا السبب أيضا لأن السبب الذي يقتضي حسن طلب هذه الأشياء ليس إلا مجموع هذين الأمرين كونه إلها وربا ووليا، وكوننا عبيدا له تائبين خاضعين خاشعين، فالأول: عهد عزة الربوبية. والثاني: عهد ذلة العبودية، فإذا حصلا واجتمعا فلا سبب أقوى منهما. ولما حكى الله تعالى دعاء موسى عليه السلام ذكر بعده ما كان جوابا لموسى عليه السلام، فقال تعالى قال: * (عذابي أصيب به من أشاء) * معناه إني أعذب من أشاء وليس لأحد علي اعتراض لأن الكل ملكي، ومن تصرف في خالص ملكه فليس لأحد أن يعترض عليه، وقرأ الحسن * (من أساء) * من الإساءة، واختار الشافعي هذه القراءة وقوله: * (ورحمتي وسعت كل شيء) * فيه أقوال كثيرة. قيل المراد من قوله: * (ورحمتي وسعت كل شيء) * هو أن رحمته في الدنيا عمت الكل، وأما في الآخرة فهي مختصة بالمؤمنين وإليه الإشارة بقوله: * (فسأكتبها للذين يتقون) * وقيل: الوجود خير من العدم، وعلى هذا التقدير فلا موجود إلا وقد وصل إليه رحمته وأقل المراتب وجوده، وقيل الخير مطلوب بالذات، والشر مطلوب بالعرض وما بالذات راجح غالب، وما بالعرض مرجوح مغلوب، وقال المعتزلة: الرحمة عبارة عن إرادة الخير، ولا حي إلا وقد خلقه الله تعالى للرحمة واللذة والخير لأنه إن كان منتفعا أو متمكنا من الانتفاع فهو برحمة الله من جهات كثيرة وإن حصل هناك ألم فله الأعواض الكثيرة، وهي من نعمة الله تعالى ورحمته فلهذا السبب قال: * (ورحمتي وسعت كل شيء) * وقال أصحابنا قوله: * (ورحمتي وسعت كل شيء) * من العام الذي أريد به الخاص، كقوله: * (وأوتيت من كل شيء) *.
أما قوله: * (فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون) *.
فاعلم أن جميع تكاليف الله محصورة في نوعين: الأول: التروك، وهي الأشياء التي يجب على الإنسان تركها، والاحتراز عنها والاتقاء منها، وهذا النوع إليه الإشارة بقوله: * (للذين يتقون) * والثاني: الأفعال وتلك التكاليف إما أن تكون متوجهة على مال الإنسان أو على نفسه.
أما القسم الأول: فهو الزكاة وإليه الإشارة بقوله: * (ويؤتون الزكاة) *.