ورابعها: قوله: * (يؤتكم خيرا) * وخامسها: قوله: * (مما أخذ منكم) * وسادسها: قوله: * (ويغفر لكم) * فلما دلت هذه الألفاظ الستة على العموم، فما الموجب للتخصيص؟ أقصى ما في الباب أن يقال: سبب نزول الآية هو العباس، إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
أما قوله: * (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: يجب أن يكون المراد من هذا الخير: الإيمان والعزم على طاعة الله وطاعة رسوله في جميع التكاليف، والتوبة عن الكفر وعن جميع المعاصي، ويدخل فيه العزم على نصرة الرسول، والتوبة عن محاربته.
المسألة الثانية: احتج هشام بن الحكم على قوله: إنه تعالى لا يعلم الشيء إلا عند حدوثه بهذه الآية، لأن قوله: * (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا) * فعل كذا وكذا شرط وجزاء، والشرط هو حصول هذا العلم، والشرط والجزاء لا يصح وجودهما إلا في المستقبل، وذلك يوجب حدوث علم الله تعالى.
والجواب: أن ظاهر اللفظ وإن كان يقتضي ما ذكره هشام، إلا أنه لما دل الدليل على أن علم الله يمتنع أن يكون محدثا وجب أن يقال: ذكر العلم وأراد به المعلوم من حيث إنه يدل حصول العلم على حصول المعلوم.
أما قوله: * (يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: قال صاحب " الكشاف ": قرأ الحسن * (مما أخذ منكم) * على البناء للفاعل.
المسألة الثانية: للمفسرين في هذا الخير أقوال:
القول الأول: المراد: الخلف مما أخذ منهم في الدنيا. قال القاضي: لأنه تعالى عطف عليه أمر الآخرة بقوله: * (ويغفر لكم) * فما تقدم يجب أن يكون المراد منه منافع الدنيا.
ولقائل أن يقول: إن قوله: * (ويغفر لكم) * المراد منه إزالة العقاب، وعلى هذا التقدير: لم يبعد أن يكون المراد من هذا الخير المذكور أيضا الثواب والتفضل في الآخرة.
والقول الثاني: المراد من هذا الخير ثواب الآخرة، فإن قوله: * (ويغفر لكم) * المراد منه في الآخرة، فالخير الذي تقدمه يجب أيضا أن يكون في الدنيا.
والقول الثالث: أنه محمول على الكل.
فإن قيل: إذا حملتم الخير على خيرات الدنيا، فهل تقولون إن كل من أخلص من الأسارى قد آتاه الله خيرا مما أخذ منه؟