اللفظ. وتحقيق الكلام فيه أن نقول: إن الأعضاء السليمة بحسب سلامتها الأصلية صالحة للفعل والترك، وصالحة للفعل ولضده، وما دام يبقى على هذا الاستواء امتنع أن يصير مصدرا لأحد الجانبين دون الثاني، وإلا لزم رجحان الممكن من غير مرجح، وهو محال، فإذا حكم الإنسان بأن له في الفعل نفعا زائدا وصلاحا راجحا، فقد حكم بأن ذلك الجانب خير له من ضده. فعند حصول هذا الاعتقاد في القلب يصير الفعل راجحا على الترك، فلولا الحكم بكون ذلك الطرف خيرا من الطرف الآخر امتنع أن يصير فاعلا، فلما كان صدور الفعل عن الحيوان موقوفا على حكمه بكون ذلك الفعل خيرا من تركه، لا جرم سمى الفعل الحيواني فعلا اختياريا. والله أعلم.
فإن قيل: إن الإنسان قد يقتل نفسه وقد يرمي نفسه من شاهق جبل مع أنه يعلم أن ذلك ليس من الخيرات بل من الشرور.
فنقول: إن الإنسان لا يقدم على قتل نفسه إلا إذا اعتقد أنه بسبب ذلك القتل يتخلص عن ضرر أعظم من ذلك القتل، والضرر الأسهل بالنسبة إلى الضرر الأعظم يكون خيرا لا شرا. وعلى هذا التقدير فالسؤال زائل. والله أعلم.
المسألة الثانية: قال جماعة النحويين: معناه واختار موسى من قومه سبعين. فحذفت كلمة " من " ووصل الفعل فنسب، يقال: اخترت من الرجال زيدا واخترت الرجال زيدا، وأنشدوا قول الفرزدق: ومنا الذي اختار الرجال سماحة * وجودا إذا هب الرياح الزعازع قال أبو علي والأصل في هذا الباب أن من الأفعال ما يتعدى إلى المفعول الثاني بحرف واحد، ثم يتسع فيحذف حرف الجر فيتعدى الفعل إلى المفعول الثاني، من ذلك قولك اخترت من الرجال زيدا ثم يتسع فيقال اخترت الرجال زيدا وقولك أستغفر الله من ذنبي وأستغفر الله ذنبي قال الشاعر: أستغفر الله ذنبا لست أحصيه ويقال أمرت زيدا بالخير وأمرت زيدا الخير قال الشاعر: أمرتك الخير فافعل ما أمرت به. والله أعلم.
وعندي فيه وجه آخر وهو أن يكون التقدير: واختار موسى قومه لميقاتنا وأراد بقومه المعتبرين منهم إطلاقا لاسم الجنس على ما هو المقصود منهم وقوله: * (سبعين رجلا) * عطف بيان وعلى هذا الوجه فلا حاجة إلى ما ذكروه من التكلفات.
المسألة الثالثة: ذكروا أن موسى عليه السلام اختار من قومه اثني عشر سبطا من كل سبط ستة، فصاروا اثنين وسبعين، فقال ليتخلف منكم رجلان فتشاجروا، فقال إن لمن قعد منكم مثل أجر