وأما البحث الثاني: وهو أن المسؤول من كان؟ فلا شك أنه هو النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما البحث الثالث: وهو أن الأنفال ما هي فنقول: قال الزهري: النفل والنافلة ما كان زيادة على الأصل، وسميت الغنائم أنفالا، لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم الذين لم تحل لهم الغنائم، وصلاة التطوع نافلة لأنها زيادة على الفرض الذي هو الأصل. وقال تعالى: * (ووهبنا له إسحق ويعقوب نافلة) * (الأنبياء: 72) أي زيادة على ما سأل. وأما البحث الرابع: وهو أن السؤال عن أي أحكام الأنفال كان؟ فنقول: فيه وجهان: الأول: لفظ السؤال، وإن كان مبهما إلا أن تعيين الجواب يدل على أن السؤال كان واقعا عن ذلك المعين، ونظيره قوله تعالى: * (ويسألونك عن المحيض) * (البقرة: 222) * (ويسألونك عن اليتامى) * (البقرة: 220) فعلم منه أنه سؤال عن حكم من أحكام المحيض واليتامى، وذلك الحكم غير معين، إلا أن الجواب كان معينا لأنه تعالى قال في المحيض: * (قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) * (البقرة: 222) فدل هذا الجواب على أن ذلك السؤال كان سؤالا عن مخالطة النساء في المحيض. وقال في اليتامى: * (قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم) * (البقرة: 220) فدل هذا الجواب المعين على أن ذلك السؤال المعين كان واقعا عن التصرف في مالهم ومخالطتهم في المواكلة. وأيضا قال تعالى: * (ويسألونك عن الروح) * (الإسراء: 85) وليس فيه ما يدل على أن ذلك السؤال عن أي الأحكام إلا أنه تعالى قال في الجواب: * (قل الروح من أمر ربي) * فدل هذا الجواب على أن ذلك السؤال كان عن كون الروح محدثا أو قديما، فكذا ههنا لما قال في جواب السؤال عن الأنفال: * (قل الأنفال لله والرسول) * دل هذا على أنهم سألوه عن الأنفال كيف مصرفها ومن المستحق لها.
والقول الثاني: أن قوله: * (يسألونك عن الأنفال) * أي من الأنفال، والمراد من هذا السؤال: الاستعطاء على ما روي في الخبر، أنهم كانوا يقولون يا رسول الله أعطني كذا أعطني كذا، ولا يبعد إقامة عن مقام من هذا قول عكرمة. وقرأ عبد الله * (يسألونك الأنفال) *.
والبحث الخامس: وهو شرح أقوال المفسرين في المراد بالأنفال. فنقول: إن الأنفال التي سألوا عنها يقتضي أن يكون قد وقع بينهم التنازع والتنافس فيها، ويدل عليه وجوه: الأول: أن قوله: * (قل الأنفال لله والرسول) * يدل على أن المقصود من ذكر منع القوم عن المخاصمة والمنازعة. وثانيها: قوله: * (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) * يدل على أنهم إنما سألوا عن ذلك بعد أن وقعت الخصومة بينهم. وثالثها: أن قوله: * (وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) * يدل على ذلك.
إذا عرفت هذا فنقول: يحتمل أن يكون المراد من هذه الأنفال الغنائم، وهي الأموال المأخوذة من الكفار قهرا؛ ويحتمل أن يكون المراد غيرها.