في بني إسرائيل، وركبوا المعاصي، واستحلوا المحارم، ونسوا ما كان الله تعالى صنع بهم، وما نجاهم من عدوهم سنحاريب وجنوده. فأوحى الله تعالى إلى إرمياء: أن ائت قومك من بني إسرائيل، واقصص عليهم ما آمرك به، وذكرهم نعمتي عليهم، وعرفهم أحداثهم، فقال إرمياء: إني ضعيف إن لم تقوني، وعاجز إن لم تبلغني، ومخطئ إن لم تسددني، ومخذول إن لم تنصرني، وذليل إن لم تعزني. قال: الله تبارك وتعالى: أو لم تعلم أن الأمور كلها تصدر عن مشيئتي، وأن القلوب كلها والألسنة بيدي، أقلبها كيف شئت، فتطيعني، وإني أنا الله الذي لا شئ مثلي، قامت السماوات والأرض وما فيهن بكلمتي، وأنا كلمت البحار، ففهمت قولي، وأمرتها فعقلت أمري، وحددت عليها بالبطحاء فلا تعدى حدي، تأتي بأمواج كالجبال، حتى إذا بلغت حدي ألبستها مذلة طاعتي خوفا واعترافا لأمري إني معك، لن يصل إليك شئ معي، وإن بعثتك إلى خلق عظيم من خلقي، لتبلغهم رسالاتي، ولتستحق بذلك مثل أجر من تبعك منهم لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، وإن تقصر عنها فلك مثل وزر من تركب في عماه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا، انطلق إلى قومك فقل: إن الله ذكر لكم صلاح آبائكم، فحمله ذلك على أن يستتيبكم يا معشر الأبناء، وسلهم كيف وجد آباؤهم مغبة طاعتي، وكيف وجدوا هم مغبة معصيتي، وهل علموا أن أحدا قبلهم أطاعني فشقي بطاعتي، أو عصاني فسعد بمعصيتي، فإن الدواب مما تذكر أوطانها الصالحة، فتنتابها، وإن هؤلاء القوم قد رتعوا في مروج الهلكة. أما أحبارهم ورهبانهم فاتخذوا عبادي خولا ليعبدوهم دوني وتحكموا فيهم بغير كتابي حتى أجهلوهم أمري، وأنسوهم ذكري، وغروهم مني. أما أمراؤهم وقاداتهم فبطروا نعمتي، وأمنوا مكري، ونبذوا كتابي ونسوا عهدي، وغيروا سنتي، فأدان (1) لهم عبادي بالطاعة التي لا تنبغي إلا لي، فهم يطيعونهم في معصيتي، ويتابعونهم على البدع التي يبتدعون في ديني جراءة علي وغرة وفرية علي وعلى رسلي، وهل ينبغي لي أن أخلق عبادا أجعلهم أربابا من دوني. وأما قراؤهم (2) وفقهاؤهم فيتعبدون في المساجد، ويتزينون بعمارتها لغيري، لطلب الدنيا بالدين، ويتفقون فيها لغير العلم، ويتعلمون فيها لغير العمل. وأما أولاد الأنبياء، فمكثرون (3) مقهورون مغيرون، يخوضون مع الخائضين، ويتمنون علي مثل
(٤٩)