اختلفت القراء في قراءة قوله لقد علمت فقرأ عامة قراء الا مصار ذلك لقد علمت بفتح التاء، على وجه الخطاب من موسى لفرعون. وروي عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه في ذلك، أنه قرأ: لقد علمت بضم التاء، على وجه الخبر من موسى عن نفسه. ومن قرأ ذلك على هذه القراءة، فإنه ينبغي أن يكون على مذهبه تأويل قوله إني لأظنك يا موسى مسحورا إني لأظنك قد سحرت، فترى أنك تتكلم بصواب وليس بصواب. وهذا وجه من التأويل. غير أن القراءة التي عليها قراء الأمصار خلافها، وغير جائز عندنا خلاف الحجة فيما جاءت به من القراءة مجمعة عليه.
وبعد، فإن الله تعالى ذكره قد أخبر عن فرعون وقومه أنهم جحدوا ما جاءهم به موسى من الآيات التسع، مع علمهم بأنها من عند الله بقوله وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه، إنهم كانوا قوما فاسقين فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فأخبر جل ثناؤه أنهم قالوا: هي سحر، مع علمهم واستيقان أنفسهم بأنها من عند الله، فكذلك قوله:
لقد علمت إنما هو خبر من موسى لفرعون بأنه عالم بأنها آيات من عند الله. وقد ذكر عن ابن عباس أنه احتج في ذلك بمثل الذي ذكرنا من الحجة. قال:
1757 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه كان يقرأ: لقد علمت يا فرعون بالنصب ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض، ثم تلا وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا. فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: قال موسى لفرعون: لقد علمت يا فرعون ما أنزل هؤلاء الآيات التسع البينات التي أريتكها حجة لي على حقيقة ما أدعوك إليه، وشاهدة لي على صدق وصحة قولي، إني لله رسول، ما بعثني إليك إلا رب السماوات والأرض، لان ذلك لا يقدر عليه، ولا على أمثاله أحد سواه. بصائر يعني بالبصائر:
الآيات، أنهن بصائر لمن استبصر بهن، وهدى لمن اهتدى بهن، يعرف بهن من رآهن أن من جاء بهن فمحق، وأنهن من عند الله لا من عند غيره، إذ كن معجزات لا يقدر عليهن، ولا على شئ منهن سوى رب السماوات والأرض وهو جمع بصيرة.