من الحصر الذي هو الحبس. وقد بينت ذلك بشواهده في سورة البقرة، وقد تسمي العرب الملك حصيرا بمعنى أنه محصور: أي محجوب عن الناس، كما قال لبيد:
ومقامة غلب الرقاب كأنهم * جن لدى باب الحصير قيام (1) يعني بالحصير: الملك، ويقال للبخيل: حصور وحصر: لمنعه ما لديه من المال عن أهل الحاجة، وحبسه إياه عن النفقة، كما قال الأخطل:
وشارب مربح بالكأس نادمني * لا بالحصور ولا فيها بسوار (2) ويروى: بسآر. ومنه الحصر في المنطق لامتناع ذلك عليه، واحتباسه إذا أراده. ومنه أيضا الحصور عن النساء عن الخروج، وأصل ذلك كله واحد وإن اختلفت ألفاظه. فأما الحصيران: فالجنبان، كما قال الطرماح:
قليلا تتلى حاجة ثم عوليت * على كل مفروش الحصيرين بادن (3) يعني بالحصيرين: الجنبين.
والصواب من القول في ذلك عندي أي يقال: معنى ذلك: (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) فراشا ومهادا لا يزايله، من الحصير الذي بمعنى البساط في كلام العرب أشهر منه بمعنى الحبس، وأنها إذا أرادت أن تصف شيئا بمعنى حبس شئ، فإنما تقول: هو له حاصر أو محصر، فأما الحصير فغير موجود في كلامهم، إلا إذا وصفته بأنه مفعول به، فيكون في لفظ فعيل، ومعناه مفعول به، ألا ترى بيت لبد: لدى باب الحصير؟ فقال: لدى باب الحصير، لأنه أراد: لدى باب المحصور، فصرف مفعول إلى فعيل. فأما فعيل في الحصر بمعنى وصفه بأنه الحاصر. فذلك ما لا نجده في كلام العرب، فلذلك قلت: قول