وقوله: (وكفى بربك) أدخلت الباء في قوله: (بربك) وهو في محل رفع، لان معنى الكلام: وكفاك ربك، وحسبك ربك بذنوب عباده خبيرا، دلالة على المدح، وكذلك تفعل العرب في كل كلام كان بمعنى المدح أو الذم، تدخل في الاسم الباء والاسم المدخلة عليه الباء في موضع رفع لتدل بدخولها على المدح أو الذم كقولهم: أكرم به رجلا، وناهيك به رجلا، وجاد بثوبك ثوبا، وطاب بطعامكم طعاما، وما أشبه ذلك من الكلام، ولو أسقطت الباء مما دخلت فيه من هذه الأسماء رفعت، لأنها في محل رفع، كما قال الشاعر:
ويخبرني عن غائب المرء هديه * كفى الهدى عما غيب المرء مخبرا (1) فأما إذا لم يكن في الكلام مدح أو ذم فلا يدخلون في الاسم الباء، لا يجوز أن يقال:
قام بأخيك، وأنت تريد: قام أخوك، إلا أن تريد: قام رجل آخر به، وذلك معنى غير المعنى الأول. القول في تأويل قوله تعالى:
(من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلها مذموما مدحورا) * يقول تعالى ذكره: من كان طلبه الدنيا العاجلة ولها يعمل ويسعى، وإياها يبغي، لا يوقن بمعاد، ولا يرجو ثوابا ولا عقابا من ربه على عمله (عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) يقول: يعجل الله له في الدنيا ما يشاء من بسط الدنيا عليه، أو تقتير ها لمن أراد الله أن يفعل ذلك به، أو إهلاكه بما يشاء من عقوباته. (ثم جعلنا له جهنم يصلاها) يقول: ثم أصليناه عند مقدمه علينا في الآخرة جهنم، (مذموما) على قلة شكره إيانا، وسوء صنيعه فيما سلف من أيادينا عنده في الدنيا (مدحورا) يقول: مبعدا: مقصى في النار. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
16741 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) يقول: من كانت الدنيا همه وسدمه (2) وطلبته ونيته، عجل الله له فيها ما يشاء، ثم اضطره إلى جهنم. قال: (ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا) مذموما في نعمة الله مدحورا في نقمة الله.