واختلفت القراء في قراءة قوله: لتغرق أهلها فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين لتغرق أهلها بالتاء في لتغرق، ونصب الأهل، بمعنى: لتغرق أنت أيها الرجل أهل هذه السفينة بالخرق الذي خرقت فيها. وقرأه عامة قراء الكوفة: ليغرق بالياء أهلها بالرفع، على أن الأهل هم الذين يغرقون.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قراءة الأمصار، متفقتا المعنى وإن اختلفت ألفاظهما، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب.
وإنما قلنا: هما متفقتا المعنى، لأنه معلوم أن إنكار موسى على العالم خرق السفينة إنما كان لأنه كان عنده أن ذلك سبب لغرق أهلها إذا أحدث مثل ذلك الحدث فيها فلا خفاء على أحد معنى ذلك قرئ بالتاء ونصب الأهل، أو بالياء ورفع الأهل. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا) *.
يقول عز ذكره: قال العالم لموسى إذ قال له ما قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا على ما ترى من أفعالي، لأنك ترى ما لم تحط به خبرا قال له موسى: لا تؤاخذني بما نسيت. فاختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: كان هذا الكلام من موسى عليه السلام للعالم معارضة، لا أنه كان نسي عهده، وما كان تقدم فيه حين استصحبه بقوله: فإن اتبعتني فلا تسألني عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا. ذكر من قال ذلك:
17502 - حدثت عن يحيى بن زياد، قال: ثني يحيى بن المهلب، عن رجل، عن سعيد بن جبير، عن أبي بن كعب الأنصاري في قوله: لا تؤاخذني بما نسيت قال: لم ينس، ولكنها من معاريض الكلام.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تؤاخذني بتركي عهدك، ووجه أن معنى النسيان:
الترك. ذكر من قال ذلك:
17503 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن