المقدس، ثم يفعل فيه ما كان جده سنحاريب أراد أن يفعل، فخرج في ست مئة ألف راية يريد أهل بيت المقدس، فلما فصل سائرا أتى ملك بني إسرائيل الخبر أن بختنصر قد أقبل هو وجنوده يريدكم، فأرسل الملك إلى إرميا، فجاءه فقال: يا إرميا أين ما زعمت لنا أن ربك أوحى إليك أن لا يهلك أهل بيت المقدس، حتى يكون منك الامر في ذلك؟ فقال إرميا للملك: إن ريي لا يخلف الميعاد، وأنا به واثق. فلما اقترب الاجل ودنا انقطاع ملكهم وعزم الله على هلاكهم، بعث الله ملكا من عنده، فقال له: اذهب إلى إرميا فاستفته، وأمره بالذي يستفتى فيه، فأقبل الملك إلى إرمياء، وكان قد تمثل له رجلا من بني إسرائيل، فقال له إرميا: من أنت؟ قال: رجل من بني إسرائيل أستفتيك في بعض أمري، فأذن له، فقال له الملك: يا نبي الله أتيتك أستفتيك في أهل رحمي، وصلت أرحامهم بما أمرني الله به، لم آت إليهم إلا حسنا، ولم آلهم (1) كرامة، فلا تزيدهم كرامتي إياهم إلا إسخاطا لي، فأفتني فيهم يا نبي الله! فقال له: أحسن فيما بينك وبين الله، وصل ما أمرك الله أن تصل، وأبشر بخير وانصرف عنه. فمكث أياما، أنا الرجل الذي أتيتك أستفتيك في شأن أهلي، فقال له نبي الله: أو ما ظهرت لك أخلاقهم بعد، ولم تر منهم الذي تحب؟ فقال: يا نبي الله، والذي بعثك بالحق ما أعلم كرامة يأتيها أحد من الناس لأهل رحمه إلا قد أتيتها إليهم وأفضل من ذلك، فقال النبي: ارجع إلى يجمعكم على مرضاته، ويجنبكم سخطه، فقال الملك من عنده، فلبث أياما وقد نزل بختنصر وجنوده حول بيت المقدس، ومعه خلائق من قومه كأمثال الجراد، ففزع منهم بنو إسرائيل فزعا شديدا، وشق ذلك على ملك بني إسرائيل، فدعا إرميا، فقال: يا بني الله أين ما وعدك الله؟ فقال: إني بربي واثق. ثم إن الملك أقبل إلى إرميا وهو قاعد على جدار بيت المقدس يضحك ويستبشر بنصر ربه الذي وعده، فقعد بين يديه فقال له إرميا: من أنت؟ قال: أنا الذي كنت أتيتك في شأن أهلي مرتين، فقال له النبي: أولم يأن (2) لهم أن يمتنعوا من الذي هم فيه مقيمون عليه؟ فقال له الملك: يا نبي الله، كل شئ كان يصيبني منهم قبل اليوم كنت أصبر عليه، وأعلم أن مأربهم في ذلك سخطي، فلما أتيتهم اليوم رأيتهم في عمل لا يرضي الله ولا يحبه الله عز
(٥١)